Page 143 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 143

‫‪141‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

     ‫يتبع تاريخيًّا وضع النهضة‬       ‫أصبحنا نعلم ما في الأرحام ذك ًرا‬  ‫ضرر اعتبار رجل الدين‬
      ‫الغربية يرى بها انحرافات‬       ‫أم أنثي؛ لأن من كانوا يفسرونها‬     ‫عل ًما على الدين نفسه‬
   ‫كثيرة»‪ .‬وكأننا يجب أن نكره‬        ‫وضعوا سق ًفا للعلم واعتقدوا أن‬
‫الآخر لأنه متفوق عنا بد ًل من أن‬                                          ‫مخطئ من يظن أن تعطيل أي‬
‫نتعلم منه‪ ،‬فحتي كوارثنا نشمت‬            ‫هذه الحدود لا يمكن أن يصل‬           ‫هبة علمية بالفتاوي كزراعة‬
 ‫فيها ونلوي عنقها لنثبت أن هذه‬       ‫بعدها العلم‪ ،‬تفسير الفقهاء للآية‬        ‫الأعضاء أو نقلها أو غسيل‬
  ‫الكارثة حدثت بسبب بعدنا عن‬
    ‫الله‪ ،‬وهل إذا ظهر عالم ملحد‬         ‫هو تفسيرهم الشخصي الذي‬          ‫الكلى هو فقط يضر بتقدم العلم‪،‬‬
   ‫واكتشف لنا علا ًجا للفيروس‪،‬‬            ‫يتحملون وحدهم مسئوليته‬        ‫الحقيقة هو يضر بالدين نفسه‪،‬‬
  ‫هل هذا معناه أن الله را ٍض عنا‬                                          ‫فمن حرم من نعمة الصحة أو‬
 ‫وعنه؟! هذا التفكير الخرافي كان‬       ‫ولا تتحمله معنى الآية الكريمة‪،‬‬
   ‫سائ ًدا عند الغرب في العصور‬       ‫ولكن ما يهم هنا أنه من الملاحظ‬        ‫من نعمة حياة شخص عزيز‬
    ‫الوسطي‪ ،‬وطب ًعا لا ُينتج هذا‬                                           ‫عليه‪ ،‬سيربط بالضرورة بين‬
      ‫التفكير إلا مزي ًدا من العداء‬       ‫‪-‬للأسف‪ -‬أن الناس عندما‬            ‫آراء رجل الدين وبين الدين‬
     ‫للعلماء وشماته فيهم في كل‬         ‫يتردد على أسماعها أي تفسير‬         ‫نفسه‪ ،‬فكيف يرى أي تسامح‬
‫تجربة تفشل؛ لأنه زرع في وعينا‬                                             ‫في دين منعه من تمام الصحة‬
 ‫أن أي كارثة هي إرادة الله‪ ،‬إذن‬            ‫فدو ًما تربطه بالآية وليس‬
    ‫عقلنا يستبيح في اللاوعي أن‬                            ‫بالشخص‪.‬‬             ‫والعافية؟! إذا كان الشيخ‬
‫العلماء يقفون ضد إرادة الله‪ ،‬علي‬                                            ‫الشعراوي نفسه لم يطق أن‬
  ‫الرغم من تلهفنا أن نري فري ًقا‬          ‫إن العقلية التي تمزج الدين‬      ‫يطبق فتاويه وهو تحت وطأة‬
  ‫بحثيًّا ينقذنا ويخترع لنا شيئًا‪،‬‬   ‫بالعلم تنتج نفسيتين متناقضتين‬       ‫الألم‪ ،‬أليس هذا يجعل الإنسان‬
‫ولكن هذه الثقافة اللا علمية التي‬                                       ‫يفتن في دينه‪ ،‬عرضنا فيما سبق‬
    ‫زرعت فينا جعلتنا نفرق بين‬          ‫تما ًما‪ ،‬نفسية ترى أن الدين لم‬  ‫أثر هذا في توقف عربة العلم‪ ،‬أما‬
 ‫استهلاكنا للعلم واحترام العلم‪،‬‬         ‫يصمد أمام العلم فترتاب فيه‪،‬‬     ‫في هذه الجزئية فسنلقي الضوء‬
‫أو حتى أن نعلم خطوات التفكير‬            ‫ونفسية أخرى تتشدد وتكره‬
    ‫العلمي الصحيح لننتج عل ًما‪.‬‬         ‫منتجي العلم‪ ،‬وعلى الرغم من‬                 ‫على أثره على الدين‪.‬‬
  ‫نحن نبرر كرهنا للغرب بحجة‬                                            ‫فمث ًل آية «ونعلم ما في الأرحام»‪،‬‬
  ‫أنه سبب تخلفنا‪ ،‬لأنه هو الذي‬            ‫أنها تستخدم منتجاته فإنها‬
   ‫احتل بلادنا‪ ،‬على الرغم من أن‬       ‫تشعر في أعماقها أن هذا التقدم‬      ‫يحكي خالد منتصر تجربته في‬
  ‫احتلال مث ًل فرنسا لنا جاء في‬                                            ‫تفسير هذه الآية‪ ،‬وكيف فتن‬
  ‫وقت كنا محتلين فيه أص ًل من‬             ‫كشفنا أمام أنفسنا‪ ،‬فالتقدم‬
    ‫الخلافة الإسلامية العثمانية‪،‬‬       ‫بد ًل من أن يكون هدفنا يصبح‬     ‫وهو صغير؛ لإنه أدرك أننا فع ًل‬
    ‫وعرفنا من الحملة الفرنسية‬        ‫عدونا نخشاه ونشوه المتقدمين‪،‬‬
 ‫الطباعة التي كانت محرمة علينا‬
 ‫بفتوى من مفتيي السلطنة خو ًفا‬           ‫فلم أسمع طوال حياتي كلمة‬
  ‫من تحريف المصحف الشريف‪،‬‬                ‫شكر واحدة أو اعتراف بأي‬
    ‫منعنا على أثر هذه الحجة من‬         ‫من منجزات الغرب التي نعيش‬
     ‫الطباعة مئات السنين‪ ،‬طب ًعا‬        ‫في خيراتها‪ ،‬فها هو من يقول‬
     ‫مئات السنين في عمر أمة لا‬          ‫إن الغرب مجرد مطية لنا الله‬
    ‫نقول إنها من أسباب تخلفنا‪،‬‬        ‫سخرهم لنا‪ ،‬وآخرون يشمتون‬
                                          ‫في موت عالم لأنه ملحد‪ ،‬أو‬

                                            ‫شماتة في أدوية تفشل في‬
                                           ‫معالجة الإيدز والسرطان‪،‬‬
                                     ‫واعتبار تجارب الهندسة الوراثية‬

                                              ‫هي تدخل في خلقة الله‪.‬‬
                                     ‫قال د‪ .‬أحمد الطيب في لقاء تحت‬

                                       ‫عنوان (هل وباء كورونا عقاب‬
                                      ‫أم ابتلاء من الله عز وجل)‪« :‬لله‬

                                         ‫أن يفعل ما يشاء‪ ،‬ولكن هذا‬
                                       ‫الفيروس تحذير من الله‪ ،‬ومن‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148