Page 159 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 159

‫حول العالم ‪1 5 7‬‬

                                 ‫النقد والتسامح‬

  ‫استمرا ًرا للفكرة‪ ،‬طالما أنها‬  ‫يبدأ النقد انطلا ًقا من أسسه‪.‬‬        ‫المثقف‪ ،‬أو بالأحرى حول‬
  ‫تعود إلى نفسها باستمرار‪،‬‬         ‫هذه الأسس لا يجدها النقد‬          ‫الباحث باعتباره موضو ًعا‪،‬‬
   ‫فإنها تتحول في حد ذاتها‬                                           ‫برها ًنا في تقاطع مع مفهوم‬
                                      ‫فقط داخل نظام المعرفة‬           ‫آخر هو التسامح‪ .‬سيكون‬
     ‫كبداية لها وكنهاية لها‪.‬‬           ‫الذي يسبقه‪ ،‬بل أي ًضا‬        ‫حديثي بين النقد والتسامح‪،‬‬
‫الدائرية‪ :‬بداية لا نهائية حول‬        ‫داخل نظام الواقع‪ ،‬الذي‬
                                     ‫يحصل كل واحد منا على‬               ‫لنقل بين حقيقة المعرفة‬
    ‫أسسها‪ ،‬حول دستورها‬               ‫تجربة منه‪ .‬واقع شرس‪.‬‬             ‫والأخلاق‪ .‬بمعنى بالنسبة‬
                    ‫الأولي‪.‬‬          ‫بهذا المعنى كذلك‪ ،‬فالنقد‬         ‫لنا‪ ،‬أدبيات كل عبارة‪ ،‬كل‬
                                    ‫مزدوج‪ :‬نقد قانونه الذاتي‬       ‫فكر حر‪ ،‬الذي يغامر بحريته‬
  ‫للذهاب بسرعة‪ ،‬سأميز‪ ،‬في‬               ‫والقانونسسأسسأمم‬              ‫باعتبارها إلى حد ما قابلة‬
‫هندسة العقل هاته‪ ،‬بين ثلاث‬
                                                   ‫المجتمعي‪.‬‬                            ‫للكبح‪.‬‬
           ‫حركات حاسمة‪:‬‬          ‫نبدأ؟ ننتهي؟ تلك هي الكلمات‬        ‫بداية‪ ،‬مشكل معجمي‪ ،‬كلمة‬
           ‫‪ -‬النقد الدائري‪.‬‬
           ‫‪ -‬النقد المستقيم‪.‬‬        ‫المعتادة التي تبدو بسيطة‬           ‫«ناقد» قبل الذهاب بعي ًدا‪.‬‬
             ‫‪ -‬النقد الدقيق‪.‬‬      ‫عند التفوه بها‪ .‬ولكن فلنكن‬       ‫يحتوي هذا المفهوم كما نعلم‬
    ‫ثلاثة أشكال مرتبطة إذن‬                                           ‫جمي ًعا على فكرة ظلت دائ ًما‬
     ‫بالهندسة‪ ،‬بحيث يكون‬              ‫ولو للحظة يقظين حيال‬
      ‫فكر العقل ‪-‬في نماذجه‬           ‫أماكن البدايات والنهايات‬           ‫مهملة‪ ،‬وهي الوضع في‬
         ‫الأساسية‪ -‬صورة‬                                             ‫مأزق (أزمة)‪ .‬النقد باعتباره‬
         ‫طوبوغرافية للعقل‪.‬‬                         ‫والغايات‪.‬‬       ‫وض ًعا في مأزق‪ ،‬مأزق سواء‬
 ‫الأول (النقد الدائري) يقول‬        ‫سأبدأ بالحديث عن المكان‪.‬‬
     ‫الشيء نفسه‪ ،‬من خلال‬         ‫عن الطوبوغرافيا‪ ،‬وهذا ليس‬             ‫بالنسبة له وسواء أي ًضا‬
   ‫التطور الذي‪ ،‬عند الكشف‬           ‫صدفة بالمرة‪ .‬عندما يكون‬            ‫بالنسبة للموضوع الذي‬
 ‫عن ذاته‪ ،‬يعيد تتبع خطواته‬       ‫النقد ُمف َّك ًرا فيه‪ ،‬فهو هندسة‬
    ‫دائ ًما‪ ،‬في إعادة التشغيل‬    ‫للعقل‪ .‬سأوضح‪ ،‬ربما تعتبر‬                             ‫يتناوله‪.‬‬
   ‫هذا‪ ،‬فإنه يرغب في الوقت‬       ‫صورة الدائرة الإغواء الأكثر‬             ‫بهذا المعنى‪ ،‬فهو دائ ًما‬
‫نفسه توحيد المكان والزمان‪،‬‬                                           ‫مزدوج‪ .‬سواء كان مرجعنا‬
 ‫عالمه الأصلي والعالم المحيط‬     ‫عبد الكبير الخطيبي‬                ‫في النقد هو التصور الكانطي‪،‬‬
 ‫(الطبيعة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬المجتمع)‬                                         ‫الهيجلي أو الماركسي‪ ،‬فعليه‬
     ‫به في بيئة نقية من ذات‬                                         ‫أن يتأسس‪ ،‬أن يضع أسسه‬
    ‫إلى ذات‪ ،‬ولكن من خلال‬                                               ‫مع تفعيلها (ولكن ليس‬
 ‫الاختلاف الدائري‪ .‬إن تباين‬                                           ‫بأي طريقة) داخل عنصر‬
   ‫الثابت هو الذي يطارد كل‬                                              ‫تكوينه‪ ،‬خطابه‪ ،‬منطقه‪،‬‬
  ‫فكر دائري‪ .‬سواء في شكل‬                                             ‫ابستمولوجيته وكل جهازه‬
 ‫نظام (النظام الهيجلي مث ًل)‬                                              ‫الاستراتيجي في نظام‬
   ‫أو في شكل العودة الأبدية‬                                         ‫المعرفة الذي يعده وفي إطار‬
                                                                    ‫الوضعية المادية التي تحدده‬

                                                                                      ‫تاريخيًّا‪.‬‬
   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164