Page 168 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 168

‫العـدد ‪34‬‬                               ‫‪166‬‬

                                 ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                          ‫أخرى‪ ،‬الأولى هي بوصلة‬
                                                                   ‫السير‪ ،‬والثانية هي المعالجات‬
  ‫الذي يعيشونه الآن‪ ،‬بعد أن‬      ‫بالقطع يحوي «القرآن الكريم»‬
  ‫حول بعض المتطرفين منهم‬          ‫آيات عديدة لا تجافي التنوير‪،‬‬           ‫الضرورية للمشكلات‬
‫الدين من مصدر للسعادة إلى‬                                                         ‫الطارئة»(‪.)10‬‬
                                     ‫بل تطلبه‪ ،‬وتفرضه‪ ،‬وتلح‬
              ‫سبب للشقاء‪.‬‬           ‫عليه‪ ،‬حين تنادي بضرورة‬            ‫وحتى هذه الإجابة على ما‬
    ‫فالاكتفاء بتجديد الخطاب‬                                           ‫تحمله من عقلانية وتقدم‬
   ‫الديني لن ينتهي إلى شيء‬            ‫إعمال العقل‪ ،‬والتدبر في‬          ‫لا تبدو شافية وكافية إذ‬
                                     ‫أحوال الناس وموجودات‬             ‫إن المتشددين والمتطرفين‬
      ‫نشعر معه ونلمس فيه‬         ‫الطبيعة‪ ،‬والإيمان بأن التطور‬         ‫توسعوا في تعيين الثوابت‬
   ‫تقد ًما إلى الأمام‪ ،‬لأن الذي‬  ‫من سنن الحياة‪ ،‬وإعلاء حرية‬        ‫التي يتحدثون عنها‪ ،‬وأفرطوا‬
    ‫سيتصدى لعملية التجديد‬            ‫التفكير والتعبير والتدبير‪،‬‬     ‫في إصباغ أمور كثيرة بأنها‬
  ‫تلك‪ ،‬أو من يراد له أن يفعل‬       ‫وإنهاء أي واسطة بين العبد‬        ‫تدخل في باب الاعتقاد‪ ،‬ولذا‬
     ‫هذا الآن‪ ،‬هي المؤسسات‬       ‫وربه‪ ،‬بما يعني تحرير الإرادة‬         ‫فإن المفرط فيها يخرج في‬
                                 ‫الإنسانية في العبادة والإفادة‪.‬‬
      ‫الدينية ذاتها التي تنتج‬       ‫التنوير ضرورة الآن‪ ،‬ليس‬                   ‫نظرهم من الملة‪.‬‬
‫الخطاب الحالي على ما فيه من‬      ‫لنا فقط‪ ،‬إنما للبشرية جمعاء‪،‬‬       ‫لهذا لا بد من أن نبذل جه ًدا‬
‫عوار شديد‪ .‬وتلك المؤسسات‬          ‫بما فيها الغرب الذي نتحدث‬
                                                                         ‫في تحديد الثوابت تلك‪،‬‬
    ‫ستدافع عما تعرفه‪ ،‬وعما‬             ‫باستفاضة عن تنويره‪،‬‬           ‫وربطها في أغلبها بالمسائل‬
       ‫يحقق مصالح ومنافع‬           ‫ولذا يقول تودوروف‪ ،‬تحت‬            ‫العقدية الموصولة بالإيمان‬
                                                                     ‫كما تعارف المسلمون عليه‬
   ‫القائمين عليها‪ ،‬ولذا إما أن‬       ‫عنوان «لماذا نحن دوما في‬     ‫(الإيمان بالله وملائكته وكتبه‬
   ‫تلتف على مطالب التجديد‪،‬‬             ‫حاجة إلى فكر الأنوار»‪:‬‬        ‫ورسله واليوم الآخر)‪ ،‬أما‬
  ‫أو تفرغها من مضمونها‪ ،‬أو‬                                           ‫المسائل الخاصة بالشريعة‬
 ‫تجري عليها تعديلات طفيفة‪،‬‬        ‫«تبقى مبادئ الأنوار الكبرى‬      ‫فتحتاج إلى نقاش أعمق لمعرفة‬
‫لا يمكنها أن تلبي ما يطلب في‬          ‫راهنية أكثر من أي وقت‬        ‫الثابت منها والمتغير(‪ ،)11‬وهو‬
‫سبيل التقدم إلى الأمام‪ ،‬سواء‬                                          ‫أمر ضروري للخروج من‬
   ‫بالنسبة للرؤية الدينية‪ ،‬أو‬     ‫مضى‪ .‬فبمقدورنا على سبيل‬          ‫المتاهة التي نلف وندور فيها‬
 ‫بتفاعلات الدين من المجالات‬         ‫المثال أن نعود إليها للدفاع‬   ‫دون أن يلوح أمامنا أي مخرج‬
                                    ‫عن نظرية التطور‪ ،‬أو إدانة‬
                   ‫الأخرى‪.‬‬         ‫التعذيب الذي يمارس باسم‬                   ‫حقيقي حتى الآن‪.‬‬
  ‫ولا يكفي أي ًضا الحديث عن‬                                          ‫‪ -3‬مزاعم حول وجوب أن‬
   ‫«تجديد الفقه» واعتبار هذا‬     ‫دواعي المصلحة العليا للدولة‪،‬‬      ‫يكون المتاح لنا من تغيير‪ ،‬إن‬
                                  ‫وبإمكاننا التسلح به لنشجب‬       ‫دعت الضرورة الملحة إلى هذا‪،‬‬
     ‫غاية ما نصبو إليه‪ ،‬وأنه‬                                      ‫في حدود مقدرة بأوزان تتسم‬
  ‫سيؤدي بنا إلى وضع ديني‬               ‫وندين الحروب الحالية‬       ‫بالثبات والرسوخ‪ ،‬إذ لا يمكن‬
  ‫مختلف‪ ،‬مثلما يذهب عثمان‬              ‫التي تزعم نشر الحرية‬       ‫القفز على الموروث وما يحويه‬
                                  ‫والديمقراطية‪ ،‬ولنحترم تعدد‬       ‫من معارف وقيم واتجاهات‪،‬‬
    ‫الخشت وهو يختتم مقالة‬        ‫الثقافات والسياسات‪ ،‬واعتبار‬        ‫وبالتالي يصبح الحيز المتاح‬
     ‫يتساءل فيها عن إمكانية‬       ‫النجاح الاقتصادي وسيلة لا‬       ‫للتغيير مشدو ًدا بحبال غليظة‬
‫تجديد الفقه الإسلامي بعبارة‬                                       ‫إلى «النقل» وليس إلى «العقل»‬
‫تقول‪« :‬وهكذا نعود مجد ًدا إلى‬                      ‫غاية»(‪.)12‬‬
 ‫ضرورة تغيير منهج التفكير‬          ‫إن التنوير هو المطلوب ح ًّقا‪،‬‬              ‫في الغالب الأعم‪.‬‬
  ‫كشرط أولي مطلق نلح عليه‬
   ‫دون كلل من أجل تأسيس‬                ‫وليس ما يثار حاليًا عن‬
  ‫عصر دينى جديد»(‪ ،)14‬فهذا‬         ‫«تجديد الخطاب الديني»(‪)13‬‬
 ‫الحد من التفكير والتدبير لن‬      ‫إذ إن ذلك يشكل الحد الأدنى‬
                                  ‫الذي لا أتصور أن ب ُمكنته أن‬
                                     ‫يخرج المسلمين من المأزق‬
   163   164   165   166   167   168   169   170   171   172   173