Page 173 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 173
171 الملف الثقـافي
الشعارات تبقى شعارات إلى يتماشى مع مسارات العالم التي انطلقوا منها جمي ًعا ،مع
أن يتم توطينها في الواقع الحديث والحضارة العلمية بعض الاستثناءات الضئيلة
التقنية والعالم الرقمي ،ويليق
وفي المؤسسات وفي عمليات بمجتمع اختار أن ينحاز إلى للغاية .وهذه الأرضية
الإنتاج لتصبح قوة مادية العلم والمعرفة ،وإلى عناصر بطبيعة الحال ،هي أرضية
ملموسة وقاطرة لأفكار قوة المجتمعات في واحدة من التاريخ والدين والأخلاق
ومنجزات أخرى .وجرت أرقى مراحل تطور البشرية. والعقيدة والشريعة ،والحوار
إن غالبية الدعوات لمشروعات بين الدين والمعرفة ،وبين
محاولات للتوفيق بين المنجز التنوير المختلفة كانت دو ًما الدين والعلم ،وبين الإسلام
العلمي الحديث وبين الدين، والغرب ،ودور الدين في بناء
تنطلق من الدين حص ًرا. الهوية ،وحجم المكون الديني
وربط الدين والتشريعات ويتم وضع أي دعوة تحت ودوره في بناء الشخصية
الدينية بالمنجزات الفلسفية المصرية ،وتوافق المشروعات
والفكرية والمعرفية الغربية، عدسة الدين ،ويجري الوطنية والقومية مع مبادئ
وإقامة المؤسسات الدينية إخضاعها لمبادئ الشريعة الشريعة ،وتوافق تحرير
للتوفيق بين دعوات مأخوذة والفقه ،وإرسال كل الدعوات
لمجالس ورجال الإفتاء الذين المرأة ودورها وحريتها
عن فلسفات ومنجزات هم «علماء الأمة» لكي يقولوا مع أصول الدين والقرآن
ومعارف غربية وبين رأيهم الأول والأخير .وكان
السلف الصالح وعلم القرآن كل ما لا يتوافق مع آرائهم، والسنة.
والحديث والفتاوى الدينية. لقد لاقت دعوات القطيعة
ومن الصعب أن نشكك كان باط ًل ومن أسباب الفلسفية مع الماضي ليس
في قدرات المتخصصين أو تخلف الأمة وانهيارها. فقط رف ًضا قاط ًعا ،بل تكفي ًرا
الخبراء والمثقفين وقدراتهم ووصلت مصر إلى منتصف ورفع دعاوى للمحاكمة بتهم
في الفصل بين المنجز الغربي القرن العشرين وهي ترزح أقلها الكفر والزندقة .غير أن
الذي ظهر على أرضيات تحت وطأة الفكر الديني هذه الدعوات كانت ساذجة،
معرفية وتراكمات وخبرات والشريعة على الرغم من لأن القطيعة الفلسفية لا
وتجارب خاصة ،وبين أسس محاولات رواد التنوير يمكن أن تتحقق بدون قطيعة
ومبادئ الشريعة الدينية التي المتناثرة والتي كانت تراعي معرفية وعقائدية وثقافية
تمثل الديانة الرسمية للبلاد، كل أصول الدين والشريعة، بضربة مشرط جراح واحدة
والتي يتم على أساسها لا رجعة فيها .مع العلم بأن
اتخاذ العديد من الخطوات إلا بعض المشروعات القطيعة المعرفية والفلسفية
السياسية والاجتماعية والمقدمات التي تم دفنها والعقائدية لا دخل لها بمسار
والقانونية والقضائية ،بل على وجه السرعة ،وقدموا التاريخ .أي أن لا أحد بصدد
وحتى المتعلقة بالثقافة أصحابها إلى المحاكمات الدعوة لنسيان التاريخ أو
هدم التاريخ أو تغيير التاريخ
والفنون والعلوم. الشهيرة ،أو عزلوهم أو إعادة ترتيب أحداثه أو
بعد أن سيطر شعار وه َّمشوهم حتى ماتوا من نسيان التاريخ وإهماله أو
«الاشتراكية في الإسلام» في الفقر والجوع أو انتحروا. الاستغناء عنه ،لأن ذلك
ستينيات القرن العشرين، لم تكن حركة 1952أفضل سيحدث تلقائيًّا وبانتقائية
جاء شعار «دولة العلم حا ًل ،لأنها جاءت على تراث مدهشة في وقت لاحق على
والإيمان» في سبعينيات ديني وعقائدي و»وطني- أرضية تطور معرفي وعلمي
القرن العشرين وظل قائ ًما قومي» رغم كل الشعارات
لسنوات طويلة بعده. الطيبة وحسنة النية .لكن