Page 178 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 178

‫العـدد ‪34‬‬                                ‫‪176‬‬

                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬                            ‫نظريات السرد وأشكال‬
                                                                   ‫السرد نفسه‪ .‬غير أن الأهم‬
     ‫قلي ًل‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬هذه‬        ‫أساسيتين‪ ،‬هما تطور‬          ‫والأخطر على الإطلاق في قمة‬
    ‫الفترة‪ ،‬منذ ما قبل الغزو‬        ‫العلوم الطبيعية وتطور‬         ‫ما بعد الحداثة التي تزامنت‬
 ‫الفرنسي لمصر إلى أن تعزز‬      ‫الفلسفة‪ .‬وكان إسهام العلوم‬
 ‫حكم محمد علي‪ ،‬كانت فترة‬        ‫الطبيعية هنا ملمو ًسا بشكل‬             ‫وتضافرت مع العالمين‬
 ‫صعبة ومهمة للغاية‪ ،‬وعادة‬      ‫أساسي في تطوير بنية العقل‬             ‫الافتراضي والرقمي أنها‬
   ‫تميل الأبحاث والدراسات‬        ‫وانفتاحه على العالم‪ ،‬الأمر‬        ‫بدأت تلعب دو ًرا رياد ًّيا في‬
   ‫فيها إلى إحدى الكفتين‪ ،‬أو‬   ‫الذي َم َّه َد للتعامل مع العلوم‬  ‫تركيبة العقل البشري وشكل‬
    ‫ُت ْب ِرز عناصر على حساب‬   ‫الأخرى واستيعابها‪ ،‬وساهم‬
     ‫عناصر أخرى‪ ،‬من أجل‬            ‫في إرساء قواعد ومعايير‬              ‫الهيكل العظمي لأجيال‬
  ‫تسييد فكرة معينة‪ ،‬أو دعم‬        ‫جديدة للتعامل معها‪ .‬هذه‬            ‫عشرينيات القرن الواحد‬
 ‫نظام سياسي‪ ،‬أو الانتقاص‬            ‫الوظيفة التي قامت بها‬        ‫والعشرين‪ .‬ما يجعلنا نلاحظ‬
  ‫من نظام سياسي آخر‪ .‬ولا‬        ‫العلوم الطبيعية كانت مهمة‬             ‫بشكل مادي ملموس أن‬
   ‫يمكن أن ننسى صراعات‬         ‫للغاية‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬فالعلوم‬        ‫هذه التحولات تطرح مها ًما‬
   ‫المماليك والباب العالي‪ ،‬ثم‬   ‫الطبيعية والفلسفة بداية من‬            ‫جديدة تما ًما على الكائن‬
‫المماليك ومحمد علي‪ .‬فقد كان‬        ‫القرن الثالث عشر كانت‬          ‫البشري الجديد‪ .‬هنا نتوقف‬
  ‫كل ذلك يجري‪ ،‬بينما عجلة‬      ‫القاطرة التي اكتسحت الفكر‬            ‫أي ًضا لأننا بحلول النصف‬
‫الحداثة دائرة على قدم وساق‬        ‫الديني واللاهوت وحددت‬               ‫الثاني من القرن الواحد‬
‫في أوروبا والثورة الصناعية‬     ‫إقامتهما لتفسح المجال لتجلي‬        ‫والعشرين لن يتبقى من كل‬
   ‫تعلن عن عالم جديد‪ ،‬وعن‬         ‫العقل الإنساني وانطلاقه‪.‬‬       ‫هذه التصورات إلا مزيج من‬
                                                                  ‫عالم ما بعد افتراضي وعالم‬
      ‫مقدمات وفرص هائلة‬          ‫حجاج الخضري‬                     ‫رقمي يتطور في اتجاه توطين‬
                  ‫للبشرية‪.‬‬       ‫والتاريخ الرمادي‬                ‫الذكاء الاصطناعي كضرورة‬
                                                                     ‫وحتمية علمية وتاريخية‬
     ‫لقد تناول هذا الموضوع‬            ‫يأتي موضوع حجاج‬
       ‫الباحث المصري عماد‬       ‫الخضري في سياق تاريخي‬                            ‫واجتماعية‪.‬‬
                                                                    ‫إن الحديث هنا عن سطوة‬
    ‫مطاوع وركز على بطولة‬              ‫باعتباره أحد الأبطال‬           ‫العلوم الطبيعية وأهميتها‬
   ‫المصريين‪ ،‬وبطولة حجاج‬        ‫المصريين المنسيين في بداية‬          ‫(وربما أولويتها‪ ،‬تجاو ًزا)‬
 ‫الخضري‪ ،‬ودور النخب من‬
 ‫جهة‪ ،‬ودور التجار والأعيان‬          ‫القرن التاسع عشر‪ .‬أي‬               ‫لا يقلل من أهمية علوم‬
   ‫والقادة الميدانيين من جهة‬        ‫مع دوران عجلة الثورة‬                  ‫الاقتصاد والفلسفة‬
‫أخرى‪ ،‬ليضع أمامنا بانوراما‬      ‫الصناعية في أوروبا‪ .‬ووفقا‬
    ‫تاريخية لتلك الفترة‪ ،‬وما‬   ‫لمقدمات نظرية كثيرة فحجاج‬              ‫والاجتماع وبقية العلوم‬
                               ‫الخضري بطل لصفحة مهمة‬               ‫الإنسانية في حركة المجتمع‬
      ‫فعله الأتراك وولاتهم‪.‬‬         ‫للغاية من تاريخ مصر‪،‬‬          ‫وتشكيل البناء الهندسي له‪.‬‬
    ‫ولكن عندما تناول وزير‬       ‫ولحظة تفصل بين مسارين‬
     ‫الثقافة المصري السابق‬      ‫وتاريخين وعالمين‪ .‬ويمكننا‬            ‫ولكن التركيز على العلوم‬
     ‫الدكتور عماد أبو غازي‬         ‫أن نرى الخضري ضمن‬                ‫الطبيعية وبالذات الفيزياء‬
 ‫نفس الموضوع تحت عنوان‬          ‫مجموعة من العناصر المهمة‬            ‫والرياضيات والميكانيا من‬
  ‫«حكاية الثوار الذين سلموا‬    ‫في الصراع آنذاك عام ‪،1805‬‬
   ‫السلطة لقائد العسكر وما‬       ‫وما قبلها قلي ًل‪ ،‬وما بعدها‬          ‫أجل توجيه الاهتمام إلى‬
    ‫جرى لهم»‪ ،‬وضع أيدينا‬                                            ‫أن حركة التطور في اتجاه‬
   ‫على مسار مهم في التاريخ‬                                         ‫الحداثة والمجتمع الصناعي‬
                                                                    ‫الأول ارتكزت على قدمين‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183