Page 177 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 177

‫‪175‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫حتى بداية ظهور نظريات‬         ‫عشر والخامس عشر‪ ،‬وما‬
    ‫فيزياء الكوانتم في مطلع‬        ‫تم تطويره على يد برونو‬
  ‫القرن العشرين‪ .‬كما أشرنا‬      ‫وجاليليو وديكارت ونيوتن‪،‬‬
                                  ‫ثم دخول الغرب بدرجات‬
                 ‫في السابق‪.‬‬    ‫متفاوتة إلى العصر الصناعي‬
  ‫من الصعب أن نحدد انتهاء‬         ‫الأول الذي أعقبته الحداثة‬
‫مرحلة الحداثة وبداية مرحلة‬     ‫وظلت تتطور معه على أسس‬
  ‫ما بعد الحداثة‪ ،‬لأن المسألة‬   ‫الميكانيكا الكلاسيكية وعلوم‬
                               ‫الفلك التي كانت عمليًّا ترجمة‬
     ‫ليست ميكانيكية إلى هذا‬         ‫لقوانين كوبرنيكوس ثم‬
‫الحد وليست انعطافة مفاجئة‬
                                                   ‫نيوتن‪.‬‬
   ‫ولكنها كانت عملية إحلال‬             ‫لم يكن من الممكن أن‬
    ‫سلس في مناطق وعلوم‪،‬‬            ‫تتطور العلوم الاجتماعية‬
  ‫وخشن في مناطق وحروب‬             ‫والإنسانية من دون تطور‬
‫وصراعات‪ .‬لكن انتهاء مرحلة‬          ‫العلوم الطبيعية بقوانينها‬
    ‫وبداية مرحلة كان عبارة‬        ‫الكلاسيكية‪ .‬وهنا لا يمكن‬
‫عن عملية‪ ،‬أو مرحلة انتقالية‬    ‫إنكار أو تجاهل دور الفلسفة‬
      ‫ربما استمرت لعشرين‬             ‫في إرساء الجسور بين‬
     ‫عا ًما بين بداية ستينيات‬    ‫العلوم الطبيعية التي مثلت‬
      ‫القرن العشرين وبداية‬     ‫عمليًّا قاطرة التطور الحقيقية‬
   ‫ثمانينيات نفس القرن‪ .‬أي‬      ‫خلال القرون الخامس عشر‬
 ‫عندما أكدت العلوم الطبيعية‬        ‫والسادس عشر والسابع‬
   ‫سطوتها في شكلها الكمي‬        ‫عشر والثامن عشر‪ .‬والقرن‬
‫(الكوانتمي) الجديد بتجلياتها‬   ‫الأخير تحدي ًدا هو الذي شهد‬
 ‫في الصناعات التحويلية على‬        ‫الطفرة العليا أو قمة تطور‬
   ‫وجه الخصوص‪ .‬وهذا ما‬         ‫العصر الصناعي الكلاسيكي‬
 ‫أصبح متواف ًرا بشكل مادي‬        ‫الذي تزامنت نهايته تقريبًا‬
  ‫ملموس في أيدي البشر من‬       ‫مع بداية مرحلة الحداثة‪ .‬وإذا‬
  ‫شاشات وهواتف ووسائل‬             ‫شئنا الدقة فالحداثة بدأت‬
 ‫اتصالات وتواصل في حقبة‬         ‫بتصاعد الحركات الماسونية‬
  ‫تسعينيات القرن العشرين‪.‬‬       ‫في بداية القرن التاسع عشر‬
 ‫نقف مؤقتًا عند بداية الألفية‬   ‫إلى جانب حركات وقاطرات‬
      ‫الثالثة لنؤكد أن ما بعد‬       ‫أخرى‪ .‬ولكن بانسحاب‬
     ‫الحداثة ارتبطت بالعلوم‬     ‫الحركات الماسونية من حيز‬
 ‫والتقنيات‪ ،‬وصارت جز ًءا لا‬         ‫الفعل الثقافي ‪-‬المعرفي‪-‬‬
‫يتجزأ من العالمين الافتراضي‬    ‫التنويري وانكفائها وتقوقعها‬
‫والرقمي‪ .‬وتجلت «كراماتها»‬            ‫من أجل خدمة أغراض‬
    ‫في علوم اللغة‪ ،‬وفي موت‬        ‫أخرى‪ ،‬سارت الحداثة مع‬
 ‫النقد‪ ،‬وموت الناقد‪ ،‬وانهيار‬   ‫العصر الصناعي الكلاسيكي‬
  ‫أسس الدراما الكلاسيكية‪-‬‬
     ‫الحداثية‪ ،‬وتداعي أركان‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182