Page 213 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 213
211 الملف الثقـافي
الألباب المصرية في مباهج مثقف مصري تنويري في للكسل والمقدور والمكتوب،
الآداب العصرية» ،و»المرشد سياق التقليد الثقافي السائد تحركوا وانشطوا وانخرطوا
في مصر آنذاك ،وقد رشحه
الأمين في تربية البنات لنباهته ونبوغه شيخ الأزهر في الحياة بشكل إيجابي
والبنين» ،وأولها وأهمها متب ِّصر» .لكن «كانط» الذي
في وقته «حسن الع ّطار» ع َّول فكر ًّيا على ثورية السلوك
في هذا السياق كتاب» (1835 -1766م) ،وأوصاه التنويري لم يع ِّول سياسيًّا
تخليص الإبريز في تلخيص بأن يفتح عينيه وبأن يد ّون على السلوك الثوري ،فكتب:
«عن طريق الثورة يمكن أن
باريز» الذي د ّون فيه كل ما يراه ليفيد به بني نسقط استبدا ًدا فرد ًّيا ،أو أن
مجمل مشاهداته وخبراته وطنه .وعاد “رفاعة” بعقل نضع ح ًّدا لاضطهاد يقوم
ومعارفه التي اكتسبها في على التعطش للثروة والنفوذ،
مثقف مصري تنويري ولكننا لن نبلغ بها إصلا ًحا
فرنسا. كذلك ،وأكثر نبو ًغا ونباهة
قبل الدخول إلى نموذج في سياق ثقافي وحضاري حقيقيًّا لنمط التفكير ،على
دال (لا يتسع المقام لغيره) جديد أ ّطلع عليه وأفاد منه. العكس من ذلك ستنتعش
من مضامين الكتاب؛ لا أنشأ عقب عودته مدرسة بسببها أحكام مسبقة جديدة
بد أن نلحظ أحد النقاط على غرار الأحكام القديمة،
الدالة في السيرة الثقافية «الألسن» للترجمة التي لتش َّد بحبالها السواد الأعظم
لـ»رفاعة» ،وهي أن ميلاد تخرج منها عبر عشر
المثقف التنويري (الحديث) المفتقر إلى الفكر».
يسبق في مصر تاريخيًّا سنوات فقط أكثر من مائة من هنا يأتي الفارق الرئيسي
ميلاد المجتمع الحديث مترجم ،وترجم على يديه
(الاستناري) ،وهو ما جعل وأيديهم أكثر من ألفي كتاب، بين طبيعة التنوير الألماني
الدور التنويري للمثقف وأنشأ أول مجلة ثقافية وطبيعة التنوير الفرنسي،
دو ًرا رائ ًدا بشكل تاريخي مصرية «روضة المدارس»، ومن هنا رأى الكثيرون أن
وأول مدرسة للبنات ،وترجم إجابة «كانط» النقدية تحفر
ومحور ًّيا خلال زمن مواد الدستور الفرنسي مجرى لتغيير المجتمعات
«رفاعة» وفيما تلاه .نلحظ البشرية أعمق بمراحل كثيرة
أي ًضا أن التحديث المجتمعي (الشرطة ،)La charte
الشامل الذي يمثل التنوير وعندما أغلق “عباس مما يمكن أن تصنع كل
ثورات العالم السياسية.
مضمونه الثقافي جرى الأول” مدرسة الألسن
تاريخيًّا بقرار من سلطة ونفاه للسودان اهتم بتعليم التنوير مصر ًّيا وطهطاو ًّيا
الدولة (الحاكم) ،ومن ثم
كان يمكن لسلطة الدولة وتنشئة شباب السودان، ولد الشيخ «رفاعة رافع
-خلال زمن «رفاعة» وفيما وعكف على ترجمة رواية الطهطاوي» (1873 -1801م)
تلاه -أن توقف دوران المفكر الكاثوليكي الفرنسي
عجلة التحديث ،أو أن تج ّمد «فرانسوا فينيلون» (-1651 في طهطا ،ونزح إلى القاهرة
فعاليتها التنويرية (جانبها 1715م) الذي كتب رواية سنة 1817م للدراسة في
الثقافي) بقرار يخضع عادة (مغامرات تليماك) لتلميذه
لتبدل الظروف السياسية ولي عهد لويس الرابع عشر، الأزهر ،ومنها سنة 1826م
واختلاف توجهات الحكام. ليدعم الحاسة الخلقية في إلى فرنسا ،حيث أُرسل إما ًما
تكوينه ويعلمه تعلي ًما غير
في الفصول الأولى من مباشر أصول الحكم العادل. بصحبة أول بعثة مصرية
كتابه يلحظ «رفاعة» ملم ًحا وكتب «الطهطاوي» عدة أرسلها الباشا «محمد علي»
كتب مهمة مثل «مناهج إلى هناك .سافر «رفاعة» بعقل