Page 215 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 215
213 الملف الثقـافي
تأسيس فعالية التحديث لعصر التنوير في أوروبا، على نفسه أن يصاب بلعنة
للمجتمع المصري كله ،وهي بينما غاب بشكل شبه نهائي «ابن رشد» التي اعقبت حسم
الفعالية الحضارية الشاملة
عن التنوير المصري الذي الخلاف الفلسفي بين نقلية
التي يمثل التنوير جانبها بدأ مباشرة بعد صدمة لقاء «ابن تيمية» السلفية وعقلانية
أو وجهها الثقافي فقط. الحضارة الأوروبية ممثلة
في الحملة الفرنسية ،وبعد «ابن رشد» الفلسفية ،وهي
وقد يكون لطرح السؤال نفس اللعنة التي أصابت
في صيغته الأكثر توت ًرا قرون متطاولة من الظلام
مفعولية في بلورة الإشكالية والعزلة والجهل والاستبداد الفلسفة في التاريخ الإسلامي
أكثر ،وهو سؤال مفاده: فرضها العثمانيون على مصر على العموم ،لعنة التكفير.
أليس ما طرحه «رفاعة»
في كتابه لا يزال يثير في وبلدان المشرق ،وبانقطاع -3ليس من الصعب أن نتخيل
وجه أحفاده التنويريين تاريخي طويل عن التراث أن مواربة “الطهطاوي” في
نفس المعارك التكفيرية التي العقلاني المهزوم بسلاح الإشارة إلى مبدأ سلطان
أتقاها بالمواربة -منذ مائتي التكفير الفقهي والسلفي عند العقل ،وهو المبدأ التأسيسي
سنة أو قرنين كاملين!- المعتزلة وابن رشد ،وبقرار في التنوير الأوروبي ،تعكس
الجد التنويري العظيم؟! فوقي مباشر من «محمد علي مخاوف من السلطة (أو
وهل يعني ذلك أن فعالية السلطات) الدينية السائدة
التنوير المصري فشلت بعد الكبير». في مصر ،الأمر الذي جعله
قرنين في تحقيق التراكم يلوذ بشكل صريح بالسلطة
العقلي والثقافي المطلوب كما هل فشل التنوير في مصر؟ السياسية للدولة /الحاكم/
حدث تاريخيًّا قبل بداية ول ّي النعم في تبرير إشارته:
التنوير الأوروبي؟! أم أننا بناء على الاستعراض «ولعل هذا كله هو علة
-بالأولى -أمام طبيعة السابق المُخل يمكننا تخصيص ولي النعم لها
ومسار مصري للتنوير القول بأن «جرأة العقل»
والتحديث مختلفين ثقافيًّا التي كانت مضمو ًنا ثابتًا بإرساله فيها أبلغ من أربعين
عن طبيعة ومسار التنوير للتنوير الأوروبي كان نف ًسا لتعلم هذه العلوم
الأوروبي بسبب اختلاف نتيجة تراكمية لتاريخ
التركيب والمسار التاريخي عصر النهضة السابق المفقودة» .ورغم تناقض هذه
عليه ،لم يتوفر منجزه المواربة الطهطاوية مع فرضية
هنا وهناك؟! المجتمعي والثقافي التاريخي التنوير الأوروبي الجذرية لدى
رأيي أن السؤال الأخير هو في الحالة المصرية ،ما
أدخل التنوير المصري مدارس التنوير الأوروبي،
الأجدر بمحاولة الإجابة في حالة التقييم المتأرجح وكما بلورها «كانط» في
عليه ،لأننا يستحيل -من والحاضر باستمرار منذ
جهة أولى -أن نسلّم بفشل عصر التأسيس بين الفشل مقاله بعبارة« :استخدم عقلك
التنوير بمفهومه الاجتماعي والنجاح ،الأمر الذي تعزز بجرأة» ،إلا أن ذلك يمكن عزوه
عبر التحولات والانقلابات
والحضاري التاريخي التاريخية اللاحقة على زمن تلقائيًّا إلى اختلاف طبيعة
الصحيح ،فالتنوير لا «رفاعة» .وما أقصده بعصر التنوير الأوروبي وطبيعة
يفشل لسبب بديهي هو أن التأسيس ليس تأسيس التنوير المصري ،وعلى رأس
فعالية التنوير وحدها ،بل سمات هذا الاختلاف غياب
المجتمعات لا تموت المرتكز التاريخي لجرأة التنوير
والعقلانية الأوروبية ،متمث ًل
في القرون التي استغرقها
التراكم الثقافي والاجتماعي
خلال عصر النهضة الممهد