Page 210 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 210

‫العـدد ‪34‬‬           ‫‪208‬‬

                                                             ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬     ‫التي لا ترتبط بالعقائديات‬
                                                                           ‫الأيديولوجية ارتبا ًطا مباش ًرا‬
  ‫الرئيسية لعصر التنوير‪.‬‬       ‫الإنسانية أو «الرينسانس»‪،‬‬
   ‫بينما يصف الفرنسيون‬                  ‫واستلهمت حركة‬                           ‫يعني حركة تسير نحو‬
  ‫العقود السابقة على قيام‬                                                  ‫هدف مرغوب‪ ،‬باتجاه ما هو‬
                                  ‫الرينسانس عدة مصادر‬
     ‫الثورة الفرنسية سنة‬        ‫تاريخية وثقافية حضارية‬                       ‫خير لجماعة أو مجتمع أو‬
      ‫‪1789‬م بأنها عصر‬           ‫على رأسها إحياء منجزات‬                    ‫للبشرية‪ ،‬وتحقق لهم النفع في‬
                                                                           ‫مضمار التعايش والبقاء‪ .‬من‬
 ‫التنوير‪ ،‬وهي الفترة التي‬           ‫الحضارتين اليونانية‬                   ‫هذا المنطلق يؤكد دعاة الحرية‬
‫نشرت فيها أعمال المفكرين‬         ‫والرومانية القديمتين‪ :‬في‬                  ‫أو المساواة ‪-‬مث ًل‪ -‬أن حركة‬
                               ‫الفلسفة والعلوم والسياسة‬                   ‫الواقع والتاريخ البشري تتجه‬
    ‫التنويريين الفرنسيين‬       ‫والتصوير والنحت والفنون‬
‫الكبار مثل روسو وفولتير‬          ‫وغيرها‪ ،‬واستفادت بقدر‬                        ‫إلى مزيد من الحرية وإلى‬
‫ومونتسكيو‪ ،‬وهي الأعمال‬            ‫ما ‪-‬بلاشك‪ -‬من المنجز‬                       ‫مساواة أشمل تضم سائر‬
‫الفكرية التي قوضت سلطة‬        ‫الثقافي والتاريخي الحضاري‬                      ‫البشر‪ ،‬رغم أن التقدم بهذا‬
                              ‫العربي‪ ،‬لكن المؤثرات الهامة‬                  ‫المعنى قد يكون صحي ًحا وقد‬
     ‫الكنيسة المتحالفة مع‬                                                    ‫لا يكون‪ ،‬متحق ًقا في بعض‬
  ‫نبلاء الإقطاع في أوروبا‪،‬‬         ‫الحاسمة في بدء عصر‬                         ‫الحالات وغير متحقق في‬
   ‫وفتحت الطريق لمباديء‬           ‫التنوير في أوروبا كانت‬                    ‫بعضها الآخر‪ ،‬وربما يصح‬
 ‫التنوير البنائية في المجتمع‬      ‫مؤثرات الواقع وتغيراته‬                   ‫في سياق ولا يصح في سياق‬
 ‫الحديث مثل سيادة العقل‬           ‫الحاضرة آنذلك‪ ،‬ويمكن‬                    ‫مختلف‪ ،‬والقول بشموليته أو‬
  ‫وتجريبية العلم وسلطته‬          ‫اختصارها في مؤثرين أو‬                     ‫كليته في المجمل في حاجة إلى‬
   ‫المنهجية‪ ،‬والاعتماد على‬         ‫متغيرين مه َّمين‪ :‬الأول‬                 ‫عقل يستوعب بشكل شمولي‬
‫الحواس كمصدر للمعرفة‪.‬‬            ‫كان انتقال الأوربيين من‬
                              ‫ثقافة الإقطاع ونمط علاقاته‬                        ‫اتجاه حركة المجتمعات‬
    ‫كما أشاعت المثل العليا‬       ‫الريفية وإنتاجه الزراعي‬                  ‫السابقة تاريخيًّا‪ ،‬ويقيّم كذلك‬
 ‫للتنوير (وهي نفسها المثل‬       ‫إلى مرحلة وثقافة المجتمع‬                   ‫كل الاحتمالات اللانهائية في‬
                                 ‫الصناعي (والتكنولوجي‬
  ‫العليا للمجتمع الحديث)‬      ‫لاح ًقا)‪ .‬والثاني كان الولادة‬                 ‫حركتها التاريخية اللاحقة‪،‬‬
       ‫كالتسامح والحرية‬           ‫الصعبة للعلم التجريبي‬                      ‫وهو أمر لا يزال حتى هذه‬
                               ‫بمعناه الحديث‪ ،‬في ميادينه‬
‫والمساواة والإخاء‪ ،‬وق َّعدت‬    ‫المختلفة على يد رواد عصر‬                          ‫اللحظة مستحي ًل‪ .‬وفي‬
‫(ن َّظرت) لأسس المؤسسات‬                                                        ‫المحصلة فإن كل تصور‬
                                     ‫النهضة‪ ،‬وبمخاصمة‬                       ‫عن التقدم هو تصور نسبي‬
  ‫الحديثة على مباديء مثل‬       ‫(مفاصلة) ومعارضة عنيفة‬                      ‫ليس مطل ًقا‪ ،‬ويعتمد أكثر من‬
    ‫المجتمع المدني وسيادة‬     ‫من الكنيسة الكاثوليكية التي‬                    ‫كل شيء آخر ‪-‬ربما‪ -‬على‬
                                                                             ‫مشاعر التفاؤل والتشاؤم‪،‬‬
‫القانون والحريات الفردية‬            ‫كانت مهيمنة وقتذاك‪.‬‬                         ‫ومدى الثقة بالإنسانية‬
  ‫والاستقلالية الشخصية‬         ‫لذلك يعتبر البعض أن كتاب‬
  ‫وفصل الدين عن الدولة‬                                                                    ‫ومستقبلها‪.‬‬
   ‫والفصل بين السلطات‪.‬‬           ‫عبقري الفيزياء «اسحاق‬
                                ‫نيوتن» (‪1727 -1642‬م)‬                      ‫التنوير أوروب ًّيا وكانط ًّيا‬
 ‫وكما هو ظاهر أدت ولادة‬
‫حركة التنوير في مجتمعات‬               ‫المعنون بـ”الأصول‬                        ‫انبثقت حركة التنوير في‬
                                       ‫الرياضية للفلسفة‬                       ‫أوروبا عن حركة النهضة‬
  ‫القارة الأوروبية المتنوعة‬    ‫الطبيعية”‪ ،‬وقد نشره سنة‬
     ‫إلى أنماط متنوعة من‬         ‫‪1687‬م‪ ،‬هو أول المصادر‬

 ‫التنوير وسياقاته تختلف‬
‫باختلاف ظروف وسياقات‬

 ‫وواقع وثقافة كل مجتمع‬
     ‫منهم‪ ،‬وبالطبع لعبت‬
   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214   215