Page 209 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 209

‫‪207‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫وليست كليانية «القانون‬        ‫يخطيء قاريء العنوان‬           ‫التنوير لا يفشل لأن المجتمعات لا تموت‬  ‫عصام الزهيري‬
 ‫الأيديولوجي» الذي يؤدي‬
‫للحتمية إلا كليانية متوهمة‪،‬‬         ‫لو تصور أنه يقف أمام‬
                                 ‫حتمية دوجمائية (عقائدية)‬
   ‫بل وفي حكم الاستحالة‪،‬‬          ‫أخرى من حزمة الحتميات‬
‫لأن استيعاب الواقع بالعقل‬
                                    ‫الدوجمائية التي سقطت‬
     ‫البشري ليس كليًّا ولا‬             ‫عبر مراحل تاريخية‬
   ‫مطل ًقا‪ ،‬إنما هو استيعاب‬
   ‫جزئي ونسبي ومحدود‬                 ‫سابقة ولا تزال تسقط‬
                                   ‫كل لحظة‪ ،‬حتميات كالتي‬
      ‫بالضرورة البشرية‪.‬‬            ‫تمثلها مقولات مثل نهاية‬
  ‫كذلك يخطيء القاريء لو‬             ‫الرأسمالية‪ ،‬حتمية الحل‬
 ‫تصور أن التنوير المقصود‬            ‫الاشتراكي‪ ،‬حتمية الحل‬
‫يدخل ‪-‬في تعريف العنوان‪-‬‬         ‫الإسلامي‪ ،‬الديموقراطية هي‬
 ‫في باب نظائر فكرة التقدم‪،‬‬      ‫الحل‪ ،‬نهاية التاريخ‪ ،‬التاريخ‬
                                  ‫يعيد نفسه‪ ،‬التقدم الخطي‪،‬‬
      ‫وبما أن «التقدم» عند‬      ‫التقدم اللولبي أو الحلزوني‪..‬‬
  ‫الكثيرين يعد أم ًرا حتميًّا‪،‬‬
                                     ‫إلخ‪ .‬فما يجسد المفارقة‬
      ‫فالتنوير هو بالتبعية‬          ‫الدائمة في كل تصورات‬
    ‫حتمي كذلك! هذا الربط‬             ‫الحتمية الدوجمائية أن‬
 ‫بين التنوير والتقدم ‪-‬وإن‬            ‫سقوطها فيما يبدو هو‬
   ‫كان المفهومان مرتبطين‬          ‫الحتمية الوحيدة المستقرة‪،‬‬
  ‫تاريخيًّا حين كان مفهوم‬           ‫وأساس أزمة الحتميات‬
   ‫التقدم حاض ًرا في صلب‬          ‫وسر سقوطها أنها جمي ًعا‬
‫الفكر الأيديولوجي الفلسفي‬           ‫حتميات أيديولوجية‪ ،‬أي‬
                                  ‫أنها حتمية طب ًقا لاعتبارات‬
       ‫خلال عصر التنوير‬            ‫ومقدمات ومنطق سياقها‬
 ‫الأوروبي في القرن التاسع‬         ‫الفكري وحده‪ ،‬ومن داخل‬
                                   ‫نسقها الأيديولوجي فقط‪،‬‬
    ‫عشر‪ -‬يدخل بصاحبه‬             ‫والنسق الأيديولوجي نسق‬
   ‫في باب «الدور المنطقي»‪،‬‬        ‫شمولي‪ ،‬شموليته لا تعني‬
                                   ‫أنه نجح في استيعاب كل‬
     ‫لأنه يخضع لاستدلال‬         ‫شروط وملابسات وتغيرات‬
  ‫منطقي صوري يقوم على‬              ‫وكليات وجزئيات الواقع‪،‬‬
 ‫مغالطة أيديولوجية‪ ،‬يقول‬           ‫وهو أمر مستحيل بحكم‬
                                 ‫أن كل نسق أيديولوجي هو‬
    ‫الاستدلال بأن‪ :‬التنوير‬      ‫بذاته طرح من طروح الواقع‬
      ‫يعني التقدم‪ ،‬والتقدم‬         ‫الفكرية البشرية النسبية‪،‬‬
                                    ‫أي أن الواقع ينطوي في‬
 ‫حتمي‪ ،‬إذن التنوير حتمي!‬          ‫شموله على كل الطروحات‬
    ‫مما ينقل الإشكالية من‬           ‫الأيديولوجية المتناقضة‪،‬‬
     ‫خانة البحث عن معنى‬
    ‫التنوير وفشله ونجاحه‬

  ‫إلى بحث عن معنى التقدم‬
    ‫حتمي الحدوث بصيغة‬
     ‫أو بصيغ أيديولوجية‪.‬‬

   ‫والتقدم في أوسع معانيه‬
   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213   214