Page 208 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 208

‫العـدد ‪34‬‬           ‫‪206‬‬

                                                         ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬    ‫المشاعر القومية ولم تعرف‬
                                                                             ‫حدو ًدا سياسية‪ ،‬فهل‬
 ‫الفصل بين حركة التنوير‬         ‫وتتهكم على المعتقدات‬
‫الأوروبي وحركة التحديث‬      ‫الخرافية ومحاولات تأليه‬                    ‫بمقدورنا أن نعايش التنوير‬
                            ‫الكنيسة‪ ،‬بل ووصل الأمر‬                    ‫بعي ًدا عن كل إحساس قومي‪،‬‬
 ‫العربي‪( .‬المرجع السابق‪،‬‬
         ‫صص‪.)30 ،27‬‬           ‫إلى حد الإلحاد الصريح‬                    ‫وإذا كنا بصورة أو بأخرى‬
                              ‫عند هلفتيوس وهولباخ‪.‬‬                    ‫نعمل دائ ًما على تأكيد هويتنا‬
   ‫وهكذا يمكن أن تتضح‬       ‫أما في عالمنا العربي فليس‬                  ‫وتعميق قوميتنا‪ ،‬فهل يعني‬
 ‫الإجابة عن السؤال الذي‬
 ‫مفاده‪ :‬لماذا فشل مشروع‬         ‫باستطاعتنا أن نتناول‬                      ‫هذا عند دعاة التنوير في‬
 ‫التنوير المصري‪ ،‬والعربي‬    ‫قضية التنوير أو التحديث‬                       ‫عالمنا المعاصر أننا نبتعد‬
                                                                        ‫عن التنوير بقدر ما نقترب‬
    ‫عمو ًما‪ .‬أضف إلى ذلك‬          ‫بمعزل عن الظروف‬                         ‫من الحركة الرومانتيكية‬
   ‫نقطتين مهمتين‪ ،‬وهما‪:‬‬      ‫السياسية التي مرت بنا‪،‬‬                    ‫التي عملت على إحياء الروح‬
                           ‫وهي ظروف كانت تصطدم‬
       ‫‪ -1‬الازدواجية بين‬    ‫عادة بقوى خارجية تعوق‬                                        ‫القومية؟‬
     ‫الفكر والعمل‪ ،‬أو بين‬     ‫انطلاقها في المقام الأول‪،‬‬               ‫وانطلا ًقا من رؤية الجزيري‬
  ‫النظر والفعل أو الموقف‪،‬‬
    ‫حيث إنه من المفارقات‬       ‫فقد أجهض الاستعمار‬                        ‫لاختلاف نشأة التنوير في‬
     ‫الصارخة التي تلازم‬          ‫محاولة “محمد علي”‬                    ‫الغرب عنها في عالمنا العربي‪،‬‬
  ‫بعض المفكرين والمثقفين‬       ‫في القرن التاسع عشر‪،‬‬
      ‫المصريين الانفصال‬         ‫في إقامة أول مشروع‬                          ‫ومع ضرورة الاهتمام‬
     ‫بين الفكر والعمل‪ ،‬أو‬   ‫نهضوي حديث‪ ،‬كان بحق‬                         ‫بدراسة مشروعات التنوير‬
  ‫بين القول والفعل‪ ،‬حيث‬     ‫أول محاولة لإدخال مصر‬                       ‫في عالمنا المعاصر من خلال‬
 ‫نراهم يتشدقون بالحرية‬     ‫والعالم العربي في العصور‬                      ‫محاولاتهم تقديم ما ُيقال‬
  ‫والعدالة والمساواة‪ ،‬وهم‬      ‫الحديثة لتواكب التقدم‬
  ‫على أرض الواقع أبعد ما‬    ‫الحضاري‪ ،‬وكما أُجهضت‬                          ‫عنه بالمشروع النهضوي‬
    ‫يكونون عن هذه القيم‬    ‫محاولة محمد علي أ ُجهضت‬                         ‫الحديث‪ ،‬فإنه ينبغي أن‬
                           ‫أحلام الأمة العربية بهزيمة‬                 ‫نضع في اعتبارنا خصوصية‬
               ‫الإنسانية‪.‬‬    ‫‪ .1967‬ومن هذه الهزيمة‬                          ‫ظروف وعوامل نشأة‬
        ‫‪ -2‬ارتباط المثقف‬       ‫انطلقت الأقلام العربية‬                     ‫حركة التنوير في الغرب‪،‬‬
     ‫بالسلطة‪ ،‬حيث تكمن‬     ‫تقدم العديد من المشروعات‬                       ‫وخاصة الظروف الدينية‬
‫أزمة أي مثقف في ارتباطه‬     ‫النهضوية التنويرية سوا ًء‬                     ‫التي ساعدت على إيجاده‬
   ‫بالسلطة لدرجة تماهيه‬       ‫في المشرق أو في المغرب‪.‬‬                     ‫على نحو ما فعلت حركة‬
  ‫معها‪ ،‬وهنا تبدو ظاهرة‬        ‫وهكذا تبدو العلاقة مع‬                    ‫التنوير التي كانت في جزء‬
    ‫التحولات الفكرية؛ من‬    ‫الغرب في بعدها السياسي‬                          ‫كبير منها رد فعل على‬
‫النقيض إلى النقيض‪ ،‬ومن‬       ‫منطل ًقا أساسيًّا في تناول‬               ‫الحروب والصراعات الدينية‬
 ‫أقصى اليسار إلى أقصى‬       ‫إشكالية التنوير والتحديث‬                  ‫الدموية التي شهدها القرنان‬
                           ‫في الواقع العربي‪ ،‬في الوقت‬                      ‫السادس عشر والسابع‬
                  ‫اليمين‬    ‫الذي تبدو فيه العلاقة بين‬
              ‫‪-------‬‬       ‫الدين والعلم من المنطلقات‬                        ‫عشر‪ ،‬وبالتالي وجدنا‬
‫* أكاديمي مصري‪ ،‬أستاذ‬        ‫الجوهرية في تتبع حركة‬                     ‫حركة التنوير الفرنسي على‬
‫الفلسفة السياسية المساعد‪،‬‬     ‫التنوير الغربي‪ ،‬وهذا ما‬
       ‫كلية الآداب‪ ،‬جامعة‬   ‫يدفعنا إلى القول بضرورة‬                      ‫سبيل المثال تنزع إلى نقد‬
                                                                         ‫الكتب المقدسة من الناحية‬
                 ‫سوهاج‪.‬‬                                                 ‫التاريخية‪ ،‬وتتناول قضية‬

                                                                           ‫ضرورة الدين في ذاته‪،‬‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213