Page 203 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 203
201 الملف الثقـافي
وتؤسس لحقل معرفي روجر بيكون وجاليليو، تقدس العقل إلى الدرجة
جديد عن الغيبيات من وثورة أدبية وفنية التي كانت عندها العصور
السابقة تقدس الأساطير
ناحية أخرى. (دافنشي) ،وثورة سياسية والخرافات ،وبالتالي يلتقي
من هنا يستحضر مثلها مكيافيلي الذي تأرجح دعاة فلسفة التنوير -فيما
الجزيري ،وهو بصدد يرى هيردر -مع أنصار
الحديث عن فلسفة فكره بين علمانية الدولة الدوجماطيقيات التي هاجمها
التنوير ،يستحضر عصر والسلطة المطلقة للحاكم.. فلاسفة عصر التنوير .ومن
النهضة الأوروبية وما وبالجملة ثورة على مختلف هنا فإن نقده لفلسفة التنوير
اتسم به من اهتمام بإحياء نواحي الحياة التقليدية، نابع أسا ًسا من تقديسها
التراث اليوناني؛ ليس لمبدأ العقلانية؛ الأمر الذي
بغية تقليده والاحتفاء لكن هذه الثورة ظلت قد يدفع بالأفراد إلى الشك
به ،وإنما بهدف استعادة محتفظة بأهمية استلهام في هذه العقلانية نظ ًرا لأن
روح الخلق وقوة الإبداع الروح الخلاقة والقدرات
التي اقترنت به في إبداعات الإبداعية في التراث ،خاصة هناك أشياء لا يمكن أن
جديدة عملت على إطلاق تكون بطبيعتها مكتشفة
الطاقات الخلاقة الكامنة اليوناني والروماني. أمام العقل ،وهي أشياء قد
في الطبيعة البشرية بعد ومع عصر التنوير تم تصبح داف ًعا لنوع جديد
مرحلة مظلمة في تاريخ من “القلق” الذي كانت
رفض التراث جملة الأسطورة تحاول أن ترفعه
الوعي الغربي. وتفصي ًل ،واعتمد فلاسفته
ومن هذا المنطلق يرى عن كاهل الأفراد.
الجزيري أنه لا يمكن اعتما ًدا أساسيًّا على قدرة وإذا كان عصر النهضة
التعامل مع مسألة التنوير العقل في فهم وتفسير الأوروبية يمثل مرحلة
على أنها صيغة ثابتة أو انتقال من العصور الوسطى
قوالب فكرية جامدة ,بل جميع الأشياء دون الحاجة إلى العصور الحديثة ،فإنه
إن التنوير الحقيقي يند إلى المعتقدات الدينية قد ُقصد به استلهام معطيات
عن كل التصورات الثابتة التراث اليوناني والروماني
والجامدة حتى لو كانت والغيبية ،وبالتالي آمنوا
هذه التصورات متصلة بقدرة العلم على حل كل في النهضة؛ بمعنى أن
بالتنوير ذاته .فالتنوير المشكلات ،وظهرت بالتالي النهضة المقصودة لا ترفض
ليس موضو ًعا جاه ًزا بل حركات تحررية ودعوات
هو في المقام الأول نشاط علمانية ترسخ للفصل بين التراث القديم ،بما في ذلك
ينمو ويتطور ويتقبل كل الدين والدولة من ناحية، الدين والعادات والتقاليد
ما هو جديد .وهو يصدر التي تمثل خصوصية لكل
شعب وحضارة وأمة ،بل
من الإنسان ويوجه كانت تعني “غربلة” التراث؛
إليه ،إنه ينبع من داخل فظهرت بالتالي مجموعة
الإنسان ولا ُيفرض عليه ثورات في مختلف المناحي:
بمقتضى قرار أو مرسوم
سلطوي ،ولو تحول إلى ثورة دينية على تسلط
سلطة لفقد كل مبررات الكنيسة قادها مارتن لوثر
وجان كالفن ،وثورة علمية
على آراء أرسطو قادها