Page 199 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 199

‫الملف الثقـافي ‪1 9 7‬‬

  ‫إبداع النصوص الجديدة‬             ‫والاجتماعية التي ُوضعت‬          ‫في الحياة الخاصة منفص ًل‬
 ‫التي تد ِّون ظروف العصر‬               ‫الشريعة من أجلها في‬          ‫عن الحياة العامة كما فعل‬
  ‫الجديد حتى يتعود الفكر‬
 ‫العربي في مرحلته الراهنة‬        ‫الأساس‪ .‬وبالنسبة للحدود‪،‬‬                        ‫الشرق»(‪.)22‬‬
                                    ‫فلا تطبَّق «إلا بعد معرفة‬    ‫وفيما يتعلق بإعادة بناء علوم‬
  ‫على التعا ُمل مع الحاضر‬         ‫السبب والشرط المانع‪ .‬فلا‬
   ‫مباشرة دون قراءته في‬            ‫ُتقطع يد سارق عن جوع‪،‬‬           ‫الحكمة (المنطق والطبيعيات‬
                                      ‫أو بطالة‪ ،‬أو مرض‪ ،‬أو‬       ‫والإلهيات)‪ ،‬فمن الممكن إبراز‬
      ‫الماضي أو قراءته في‬           ‫عندما يكون المجتمع كله‬
 ‫المستقبل‪ .‬يتعود الفكر على‬         ‫سار ًقا‪ ،‬الغني قبل الفقير‪،‬‬       ‫الإنسانيات وجعلها محور‬
‫الغوص في الحاضر‪ ،‬و َس ْبر‬         ‫والحاكم قبل المحكوم»(‪.)23‬‬        ‫علوم الحكمة‪ .‬ويمكن إعادة‬
‫مك ِّوناته‪ ،‬ورصد إمكانياته‪،‬‬          ‫وبالمثل يمكن إعادة بناء‬     ‫بناء علوم التصوف على نحو‬
                                      ‫العلوم النقلية (القرآن‪،‬‬      ‫يجعل من التصوف مقاومة‬
   ‫والدخول فيه كجزء من‬                 ‫والحديث‪ ،‬والتفسير‪،‬‬
 ‫حركته كي تتم المعرفة به‬               ‫والفقه) بالتحول «من‬           ‫فعلية في الخارج بد ًل من‬
 ‫وتغييره‪ .‬فالمعرفة سلوك‪،‬‬                                            ‫مقاومة سلبية إلى الداخل‪،‬‬
                                  ‫التفسير الطولي‪ ،‬من سورة‬            ‫وبالتالي يتحول التصوف‬
      ‫والسلوك معرفة(‪.)25‬‬           ‫البقرة حتى سورة الناس‪،‬‬           ‫من رضا و ُزهد و ُعزلة إلى‬
                                                                    ‫ثورة واعتراض ومواجهة‪.‬‬
  ‫‪ُ -5‬ظهر التنوير‬                    ‫إلى التفسير الموضوعي‬
                                  ‫لوضع أُسس الأيديولوجية‬              ‫وبذلك يكشف التصوف‬
‫على ح ّد تعبير حسن حنفي‪:‬‬         ‫الإسلامية حول موضوعات‬               ‫لنا عن المسار الأفقي‪ ،‬من‬
 ‫«إذا اكتمل الضحى‪ ،‬أصبح‬                                              ‫الخلف إلى الأمام‪ ،‬كبديل‬
                                        ‫السياسة والاقتصاد‬           ‫للمسار الرأسي‪ ،‬من أدنى‬
   ‫ال ُّظهر [‪ ]...‬قريب المنال»‪.‬‬  ‫والاجتماع والقانون‪ .‬وإبراز‬         ‫إلى أعلى؛ الأمر الذي يسهم‬
 ‫ف ُظهر التنوير هو‪ ،‬بالنسبة‬      ‫موضوعي «أسباب النزول»‬               ‫في تق ُّدم التاريخ وإسراع‬
                                                                      ‫إيقاع حركته‪ .‬كما يمكن‬
       ‫لحسن حنفي‪ُ ،‬ذروة‬            ‫و»الناسخ والمنسوخ» من‬           ‫أي ًضا إعادة بناء علم أصول‬
   ‫التنوير‪ .‬في هذه المرحلة‪،‬‬          ‫علوم القرآن‪ ،‬أ ْي أولوية‬        ‫الفقه بالتحول من الن ّص‬
    ‫تطرأ تحولات على « ِب ْن َية‬    ‫المكان والزمان في الوحي‪،‬‬         ‫إلى الواقع‪ ،‬أو بتعبير آخر‪،‬‬
‫الفكر نفسه وأشكال تعبيره‬            ‫أولوية الواقع على الفكر‪،‬‬        ‫إعطاء الأولوية للواقع على‬
  ‫ومنطق استدلاله و ُلغته»‪،‬‬        ‫والتحول من نقد السند إلى‬
  ‫فتصبح لغة ومصطلحات‬                ‫نقد المتن في علم الحديث‪،‬‬           ‫النص تماشيًا مع ُروح‬
    ‫التنوير سهلة وبسيطة‪،‬‬          ‫ومن الشخص إلى ال َق ْول في‬        ‫«أسباب النزول»‪ ،‬وبالتالي‬
 ‫وبالتالي في متناول الجميع‪،‬‬      ‫علم السيرة‪ ،‬ومن فقه العبيد‬          ‫إعطاء الأولوية للاجتهاد‪،‬‬
  ‫بعي ًدا عن التق ُّعر وبصرف‬       ‫والنساء والصيد والذبائح‬       ‫كمصدر للتشريع‪ ،‬على جميع‬
 ‫النظر عن مصدرها‪ ،‬الوافد‬            ‫والغنائم إلى فقه المقاومة‬       ‫مصادر التشريع الأخرى‪،‬‬
‫أو الموروث‪ .‬كما تتغير ُطرق‬                                        ‫فالاجتهاد أو ًل‪ ،‬ثم الإجماع‪،‬‬
‫الاستدلال من المنهج النازل‬              ‫والتنمية والاستقلال‬
‫إلى المنهج الصاعد‪ ،‬والانتقال‬     ‫والتق ُّدم والعدالة الاجتماعية‬        ‫ثم الحديث‪ ،‬ثم القرآن‪،‬‬
‫من تص ُّور ال َعا َل من منظور‬                                    ‫صعو ًدا من الخاص إلى العام‬
                                          ‫والمساوة والحرية‬
     ‫رأسي إلى تصوره من‬                    ‫والديمقراطية»(‪.)24‬‬        ‫وليس نزو ًل من العام إلى‬
 ‫منظور أفقي‪ ،‬ومن التمر ُّكز‬         ‫لا يقتصر ضحى التنوير‬             ‫الخاص‪ .‬فض ًل عن ذلك‪،‬‬
 ‫حول الله إلى التمر ُّكز حول‬       ‫على التعا ُمل مع النصوص‬        ‫يمكن تحويل المقاصد الكلية‬
                                     ‫المد َّونة‪ ،‬بل يتجاوزه إلى‬   ‫للشريعة إلى الأهداف العامة‬
   ‫الإنسان‪« .‬فالله غني عن‬                                            ‫وحقوق الإنسان الفردية‬
 ‫العالمين»‪ .‬والإنسان هو في‬
  ‫الأساس موضوع التفكير‬
   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203   204