Page 196 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 196

‫العـدد ‪34‬‬          ‫‪194‬‬

                                                               ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬    ‫مهيمنة ومسيطرة على كل‬
                                                                              ‫شيء»(‪ .)15‬فالبنية الأبوية‪،‬‬
     ‫الرشدي عند محمود‬             ‫«أخذ العلوم الغربية التي‬                  ‫على ح ِّد تعبير حسن حنفي‪،‬‬
   ‫قاسم‪ ،‬العقل الأخلاقي‬            ‫لم يصل إليها بجهده ثم‬                       ‫موروث ثقافي يطغى على‬
‫المعتدل المتوازن عند توفيق‬      ‫ال ُحكم عليها ببعض الآيات‬                     ‫النظم السياسية‪ ،‬إسلامية‬
                                ‫القرآنية والأحاديث النبوية‬
                 ‫الطويل‪.‬‬         ‫التي من ابتساره وانتقائه‬                       ‫أو ليبرالية أو قومية أو‬
   ‫واستمر التيار العلماني‬                                                   ‫ماركسية‪ .‬وباسم الليبرالية‬
   ‫عند زكي نجيب محمود‬                        ‫وتأويله»(‪.)16‬‬                   ‫والواجهات الليبرالية تحكم‬
  ‫الذي يمتد َع ْب َر الفترتين‬
‫في التنوير العربي‪ ،‬الغسق‬        ‫‪ -3‬شروق التنوير‬                                 ‫الأنظمة الملكية الوراثية‬
   ‫والشروق في آن واحد‪.‬‬                                                          ‫أو العسكرية الانقلابية‪،‬‬
   ‫العقل لل ِعلم‪ ،‬والوجدان‬         ‫بعد هزيمة يونيو ‪1967‬‬                       ‫وكلاهما تنقصه الشرعية‬
    ‫للدين‪ ،‬والفلسفة أقرب‬         ‫بدأ التنوير العربي مرحلة‬                      ‫لأن السلطة فيها لا تأتي‬
  ‫إلى تحليل اللغة‪ ،‬أ ْي أنها‬     ‫جديدة تمثلت في استئناف‬                         ‫بيعة من الناس كما قال‬
 ‫أقرب إلى الفلسفة العلمية‪.‬‬      ‫التيارات الرئيسة الثلاثة في‬
   ‫كما ظهرت أهمية اللغة‬        ‫فجر التنوير العربي‪ .‬استمر‬                                      ‫القدماء‪.‬‬
‫و ِعلم اللسانيات عند محمد‬                                                     ‫أما على مستوى الممارسة‬
  ‫أركون‪ ،‬وتحليل الخطاب‬             ‫تيار الإصلاح الديني في‬
 ‫وآليات التأويل عند نصر‬         ‫المشاريع العربية المعاصرة‬                       ‫الاقتصادية‪ ،‬فقد َف َق َد ْت‬
  ‫حامد أبوزيد‪ .‬وقد يأخذ‬                                                        ‫الليبرالية مضمونها‪ ،‬فلم‬
 ‫ال ِعلم معنى فلسفة ال ِعلم‪،‬‬      ‫التي تنطلق من النظر إلى‬
‫أ ْي البداية بإدراك الطبيعة‬      ‫التراث كمخزون نفسي لا‬                           ‫َت ُع ْد تعني سوى حرية‬
 ‫وتص ُّور ال َعا َل الخارجي‪.‬‬     ‫يمكن الاستغناء عنه ولكن‬                           ‫السوق والرأسمالية‬
  ‫فالعصر عصر ال ِعلم كما‬       ‫بعد إعادة بنائه ليكون داف ًعا‬
  ‫كان عصر القدماء عصر‬             ‫للتطور والنهوض وليس‬                        ‫التجارية وما يتبع ذلك من‬
                                ‫مع ِّوقا له‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬                ‫فساد واستغلال واحتكار‪.‬‬
              ‫الحكمة(‪.)17‬‬      ‫مشروع «التراث والتجديد»‬
      ‫ومح ِّددات المشاريع‬         ‫لحسن حنفي‪ ،‬ومشروع‬                             ‫وحدثت نفس الكبوة في‬
     ‫العربية المعاصرة هي‬         ‫«نقد العقل العربي» لمحمد‬                       ‫التيار العلمي العلماني‪،‬‬
‫قراءة الموروث من منظور‬            ‫عابد الجابري‪ ،‬ومشروع‬                        ‫فاختل التوازن بين الوافد‬
‫الوافد‪ ،‬وتبنِّي منهج غربي‬                                                   ‫والموروث لصالح الوافد على‬
     ‫واستعماله في دراسة‬            ‫«من التراث إلى الثورة»‬                     ‫يد فرح أنطون الذي جعل‬
  ‫الموروث من دون تحليل‬                     ‫للطيب تيزيني‪.‬‬                     ‫الدعوة إلى ال ِعلم والعلمانية‬
      ‫هذا الموروث بآلياته‬                                                    ‫دعوة غربية خالصة‪ .‬وعلى‬
 ‫الخاصة وفي حركته التي‬             ‫واستمر التيار الليبرالي‬                  ‫نفس درب فرح أنطون سار‬
   ‫نشأ منها وتكلَّس فيها‪.‬‬          ‫القديم في شروق جديد‬                         ‫يعقوب صروف‪ ،‬ونقولا‬
     ‫تظهر البنيوية منه ًجا‬       ‫ينحسر في الجانب المعرفي‬                        ‫حداد‪ ،‬وسلامة موسى‪،‬‬
   ‫في مشروع «نقد العقل‬            ‫الخالص للعقل بعي ًدا عن‬                       ‫وإسماعيل مظهر (حتى‬
    ‫العربي» للجابري‪ ،‬كما‬           ‫الدولة التي كانت تتبنَّى‬                    ‫قبيل وفاته بعام واحد)‪،‬‬
 ‫تظهر الماركسية منه ًجا في‬     ‫القومية والاشتراكية العربية‬                   ‫وزكي نجيب محمود‪ .‬وقد‬
   ‫مشروع «الأيديولوجية‬           ‫كأيديولوجية رسمية بعد‬                       ‫أسفر جنوح هذا التيار إلى‬
   ‫العربية المعاصرة» لعبد‬        ‫الليبرالية التي سادت قبل‬                     ‫وقوع الناس في ازدواجية‬
                                   ‫ثورة ‪ .1952‬على سبيل‬                        ‫العلم والإيمان التي حاول‬

                                     ‫المثال‪ ،‬العقل الجواني‬                        ‫البعض تجاوزها عن‬
                                    ‫عند عثمان أمين‪ ،‬العقل‬                      ‫طريق أسلمة العلوم‪ ،‬أ ْي‬
                                ‫الديني عند أبو ريدة‪ ،‬العقل‬
   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200   201