Page 232 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 232

‫العـدد ‪34‬‬                             ‫‪230‬‬

                                  ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

     ‫في زيارات منزلية لقامات‬        ‫كنت‪ ،‬قس ًما بربي‪ ،‬على وشك أن‬           ‫أحدهم هذه الحركة المستوردة‬
   ‫كبيرة في النقد‪ ،‬وكنت بريئًا‬        ‫أخلع عنه البنطلون‪ .‬ظننت أنه‬           ‫رأ ًسا من العصر الحجري‪ .‬لو‬
  ‫ساذ ًجا فاعتقدت أن الأمر في‬       ‫مقدمة اعتراف أنتظره على أحر‬
    ‫إطار المحبة‪ ،‬لكني اكتشفت‬         ‫من جمر الاشتهاء‪ .‬سحب كفه‬                 ‫كانت الدعارة أقدم مهنة في‬
‫لاح ًقا أنه كان يلاحقهم بالهدايا‬      ‫من يدي بحدة‪ .‬طلب الحساب‬               ‫التاريخ‪ ،‬فالصدر شبه العاري‬
     ‫لأنهم أعضاء لجان تحكيم‬          ‫من الجرسون الذي كنت أتابع‬          ‫أقدم مقدماتها‪ .‬ارتبك مبتل ًعا ريقه‬
   ‫في جوائز كبيرة يتقدم إليها‪.‬‬       ‫من على البعد تفاعله الحذر مع‬          ‫بصعوبة‪ .‬انتعشت للغاية‪ ،‬سال‬
  ‫هذا السلوك تبين لي فيما بعد‬          ‫صدري المفتوح‪ .‬لم أستوعب‬            ‫لعاب الصيادة بداخلي‪ .‬لا يوجد‬
   ‫أنه ليس مجرد حالة فردية‪.‬‬                                             ‫أجمل من منظر رجل تعبث بقاربه‬
    ‫الجوائز صارت من ملامح‬           ‫الخراء الذي ألقاه على مسامعي‪.‬‬
                                      ‫كلام عيال “طرية” من نوعية‬              ‫الصغير عاصفة من الغواية‪.‬‬
      ‫البؤس في واقعنا الثقافي‪،‬‬         ‫أنني نظيفة ج ًّدا ورقيقة ج ًّدا‬        ‫أهمس كما لو كنت الحقيقة‬
 ‫فهى ليست بالضرورة تقدي ًرا‬                                             ‫الوحيدة على كوكب من الأكاذيب‪:‬‬
  ‫لموهبة؛ بل دلي ًل على أنك نلت‬   ‫وجميلة ج ًّدا‪ ،‬وأنه معجب بي فع ًل‬     ‫‪ -‬تذكر من فضلك أن الذي يخجل‬
                                      ‫كفنانة قبل إعجابه بي كأنثى‪،‬‬       ‫من بنت عمه لا ينجب منها العيال‪،‬‬
   ‫الرضا السامي من البعض‪،‬‬            ‫وأن كلام الناس عنى لا يعنيه‬             ‫كلمة واحدة لو سمعتها منك‬
  ‫وأنك “شاطر” في لعبة تبادل‬         ‫في شىء‪ ،‬فهم أص ًل لا يتركون‬          ‫أقسم بالله سأنام معك بلا تردد‪:‬‬
  ‫المصالح‪ .‬هل معنى ذلك أنني‬                                               ‫يا سالي أن ِت عاهرة و ُسمعتك في‬
‫سأرفض جائزة ما لو رشحت‬            ‫أح ًدا في حاله‪ ،‬وبالذات في وسطنا‬
  ‫اليها؟ أب ًدا‪ ..‬فهى تنطوى على‬                         ‫التشكيلي‪.‬‬                 ‫الوحل ونفسي أجرب!‬
                                                                         ‫نجلس بكافيه أدخله للمرة الأولى‬
      ‫مبلغ مالي يعزز صورتنا‬          ‫لنعد إلى جائزة “أخبار‬
‫البائسة أمام زوجاتنا‪ ،‬فيغفرن‬        ‫الأدب” للقصة القصيرة‬                   ‫بالزمالك‪ .‬مقاعد خشبية طويلة‬
 ‫لنا ساعات الاستغراق الطويلة‬          ‫عام ‪ ..1994‬لماذا غابت‬                  ‫مطلية بالأزرق تحيط بموائد‬
‫في الكتابة‪ ،‬لكنها لا تنطوي على‬    ‫عنك الجوائز أو غبت أنت‬
                                   ‫عنها رغم أنها بدأت معك‬               ‫صغيرة مربعة‪ .‬تطل الغيوم خلف‬
         ‫شهادة أو حكم قيمة!‬                                                 ‫الزجاج‪ .‬أحتضن كفه الخشنة‬
‫في مسابقة “أخبار الأدب” كان‬                ‫وعمرك ‪ 22‬عا ًما؟‬                               ‫وأهمس بوله‪:‬‬
                                                                           ‫‪ -‬قلها يا دكر‪ ..‬كثيرون غيرك‬
   ‫هناك نجيب محفوظ يحضر‬            ‫أحد الأصدقاء كان يصطحبني‬                      ‫سبقوا وقالوها يا حبي!‬
  ‫حفل توزيع الجوائز في حدث‬
                                                                        ‫احمرار وجهه أثارني لدرجة أنني‬
    ‫دشن لميلاد جيل كامل من‬
‫المبدعين الجدد‪ ،‬وجاء مانشيت‬

     ‫الصحيفة ليقول‪ :‬عشرون‬
  ‫كاتبًا هديتنا إلى مصر”‪ ،‬لكن‬
 ‫كان ذلك في زمن البراءة حيث‬
 ‫كنت أصغر المتسابقين سنًّا في‬
   ‫مسابقة تحت سن ‪ 35‬عا ًما‪،‬‬
‫أما الآن فقد انتهى زمن البراءة‬
  ‫وجاء زمن الزيارات والهدايا‬

     ‫إلى أعضاء لجان التحكيم!‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237