Page 234 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 234

‫العـدد ‪34‬‬                              ‫‪232‬‬

                                   ‫أكتوبر ‪٢٠٢1‬‬

    ‫في حضرة المطربة الداهية‪ ،‬بل‬       ‫وهو ما سيمثل مسا ًرا رئيسيًّا‬           ‫مصاعب الاختيار‬
‫هناك من وقفوا ضدها مثل الشيخ‬                    ‫على امتداد الرواية‪.‬‬
                                                                            ‫يهمني في بداية التفاعل النقدي‬
   ‫زكريا أحمد بوصوله للمحكمة‪،‬‬           ‫‪ -‬الإيماءات والعلامات التي‬          ‫مع المتن أن أشاغب النص بعدة‬
 ‫والملحن محمود الشريف الذي لم‬            ‫تخص علاقة الفنانة بـ»أبو‬
‫تصدمه مسألة فسخ الخطبة حين‬           ‫العلا محمد» تشير إلى نوع من‬               ‫ملاحظات‪ ،‬أراها جوهرية في‬
                                        ‫الحب الحقيقي وإن بدت تلك‬                ‫التعامل مع عمل سردي لا‬
    ‫تدخل القصر لفض المشروع‪،‬‬         ‫المنطقة غامضة لم يكشف الكاتب‬
   ‫وحتى مع زوجها المهذب الذي‬          ‫تفصيلاتها بالرغم من اقترابه‬            ‫يخدع القارئ بل يجعل المشهد‬
 ‫صفعها في مواجهة قاسية‪ ،‬وقتها‬                                               ‫أقرب للأفعال البشرية‪ ،‬بعد أن‬
                                                     ‫الحثيث منها‪.‬‬          ‫رفعت الصورة إلى منطقة تقارب‬
     ‫لجأت لزعيم البلاد لإنقاذها‪.‬‬     ‫‪ -‬نشعر بأن السلطة ‪-‬شكليًّا‪-‬‬             ‫القداسة‪ ،‬خاصة عند أجيال لم‬
         ‫‪ -‬أتصور أن انفتاح أفق‬        ‫كانت للشيخ إبراهيم البلتاجي‬         ‫تقترب من الأحداث وقت وقوعها‪.‬‬
                                   ‫ومن بعده الشيخ خالد‪ ،‬لكن نظرة‬
 ‫الاحتمالات في هذا النص الروائي‬                                                  ‫‪ -‬اختار الكاتب أن تجري‬
       ‫ع َّمق من إشكالية «الواقع»‬      ‫مدققة للأحداث تجعلنا نعتقد‬                ‫الأحداث عن طريق الفنانة‬
                                    ‫أن السلطة تحولت لمن بيده المال‬            ‫ذاتها‪ ،‬وهذا يجعلها أقرب إلى‬
 ‫و»المتخيل» مع أحداث لا تنفصل‬                                                  ‫نمط الاعتراف في سمت فني‬
    ‫عن أجواء مصر الجديدة التي‬          ‫أو «المحصول» بتعبير «طماي‬             ‫كلاسيكي‪ .‬وضمير المتكلم هنا‬
     ‫بدأ مشروعها القومي يتخلق‬                           ‫الزهايرة»‪.‬‬          ‫يكاد يصل لدرجة الشهادة التي‬
                                                                             ‫تميل للمصارحة وعدم تزويق‬
  ‫ولم يتحطم إلا مع هزيمة يونيو‬         ‫‪ -‬ظل النص الروائي حري ًصا‬                 ‫الأمور‪ ،‬أو الالتفاف عليها‪.‬‬
       ‫‪ ،1967‬هنا أثبتت «الست»‬             ‫على بث علامات منبئة عن‬               ‫‪ -‬انفتح النص على مرجعية‬
                                                                             ‫واقعية دون أن يقع في أحبولة‬
‫وطنيتها وصدقها مع الشعب قبل‬             ‫صعود طبقة فقيرة إلى أعلى‬             ‫التوثيق‪ ،‬فالسارد المتكلم ممثل‬
     ‫قربها من السلطة السياسية‪.‬‬            ‫السلم الاجتماعي دون أن‬                ‫للنسق المعرفي في بعد أول‪.‬‬
    ‫‪ -‬لقد قام محمد بركة بدهائه‬                                                  ‫‪ -‬اشتباك الذاتي بالعام بدا‬
       ‫الإبداعي باللعب بين البعد‬     ‫تتخلى عن جوانب الحذر والقلق‬          ‫مهيمنًا‪ ،‬خاصة في البدايات‪ ،‬حيث‬
                                       ‫التي تلازم الطبقات الدنيا في‬       ‫الصراع المحتدم بين الأب المحافظ‬
  ‫الصوفي في لحن «حانة الأقدار»‬                                                  ‫بطبعه والشقيق المراوغ من‬
    ‫وبين البعد الترميزي لـ»حانة‬    ‫احتكاكها بالسادة أصحاب المكانة‬          ‫جهة‪ ،‬وبين الفتاة التي تريد رفع‬
       ‫الست»‪ ،‬حيث تشير الكلمة‬                          ‫والموسرين‪.‬‬         ‫الوصايا عنها‪ ،‬وهو ما سيتم على‬
                                                                                 ‫مراحل‪ ،‬وعبر زمن طويل‪.‬‬
  ‫لمعنى الطرب والفرفشة وشئون‬          ‫‪ -‬لقد قدم الكاتب بنية سردية‬         ‫‪ -‬عدا استثناءات قليلة فإن البطلة‬
     ‫المرح‪ .‬وقد ترك للقاري مهمة‬       ‫متماسكة‪ ،‬عبر من خلالها عن‬           ‫(نقصد الفنانة) قامت بعملية قمع‬
   ‫فك الاشتباك بينهما‪ ،‬وإن ملت‬        ‫عصر كان يتيح للفن أن يرقى‬            ‫الأنثى‪ ،‬من أجل الوصول لعتبات‬
   ‫شخصيًّا لفكرة البعد الصوفي‪،‬‬        ‫بأصحابه لمراتب لم يبلغها من‬             ‫المجد‪ ،‬ومن ثم النفوذ المقترن‬
                                      ‫قبل وهو ما لازم صعود طبقة‬
‫خاصة قرب النهاية ومع ترديدات‬       ‫البرجوازية وممثليها‪ ،‬وقد تخطت‬                                ‫بالسلطة‪.‬‬
     ‫منغمة تخص الروح دون أن‬           ‫صاحبة السيرة محنة التعامل‬              ‫‪ -‬إن عمليات التبرير والتحليل‬
               ‫تشير إلى الجسد‪.‬‬      ‫مع الفترة الملكية بالتوجه لصناع‬        ‫النفسي للشخصيات بدت تعبي ًرا‬
                                                                            ‫عن انتصار الريفي المحافظ على‬
     ‫البنية اللغوية‬                     ‫الثورة من الضباط الأحرار‪،‬‬          ‫المدني المغامر والقابل للتحولات‪،‬‬
                                        ‫وحرصت على توثيق الصلة‬
  ‫حرص الكاتب على التسلح بلغة‬        ‫معهم‪ .‬في المقابل كان عبد الحليم‬
 ‫مجاوزة لمفهوم العلامات اللغوية‬    ‫حافظ منتميًا كليًّا للثورة وابنًا لها‬
                                      ‫ومن هنا حدث الصراع بينهما‬
   ‫المستقرة بالنزوع إلى لغة تنحو‬     ‫وفيه انتصرت أم كلثوم جزئيًّا‪.‬‬
      ‫للشاعرية‪ ،‬وتقترب ما أمكن‬     ‫‪ -‬لم يكن الرجال كلهم منكسرين‬

   ‫من طقس رومانسي عام‪ ،‬يهمه‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239