Page 236 - merit 52
P. 236

‫العـدد ‪52‬‬                             ‫‪234‬‬

                                    ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬                       ‫للغاية‪ ،‬حتى أنه توقف عن‬
                                                                    ‫الكى ومضى يرقب الشارع‪.‬‬
  ‫في الواقع عاك ًسا لنا‪ .‬سواء‬           ‫هي أي ًضا مواقع متكررة‬
   ‫كنا نضع هذا الصمت على‬             ‫للبحث في الغياب‪ ،‬والمسافة‪،‬‬         ‫لو لم نكن كلانا‪ ،‬لما كان‬
                                                                      ‫هناك سوى العناكب تعلق‬
     ‫الحجر أو علينا‪ ،‬يصبح‬               ‫والصمت‪ .‬غالبًا ما تعمل‬     ‫شباكها بين مصابيح الشارع‬
   ‫سؤا ًل لا نهائيًّا في السطر‬       ‫هذه الأشياء كمواقع للبحث‬
   ‫الأخير من القصيدة‪ .‬بينما‬           ‫الأنطولوجي والميتافيزيقي‪،‬‬             ‫والأشجار الداكنة»‪.‬‬
 ‫نجد «في الصمت يلوح قلبك‬                                           ‫وهذا أي ًضا نجده في قصيدته‬
                                        ‫كما ذكرنا ساب ًقا‪ ،‬وتربط‬
     ‫كجدجد أسود»‪ ،‬أن هذا‬                  ‫جمالياته الجوهرية في‬       ‫الختامية للجزء الثالث التى‬
 ‫الصمت‪ ،‬الذي بدأ الآن يتخذ‬                                         ‫تحمل عنوان «هويتى السرية‬
                                    ‫الوجود بشكل فريد‪ .‬وتصبح‬
   ‫طاب ًعا ميتافيزيقيًّا أكثر‪ ،‬لا‬         ‫أغراض العالم الملموس‬                          ‫هى»‪:‬‬
  ‫يعتمد على أحد أو شيء في‬                                                       ‫«الغرفة خاوية‬
                                       ‫‪-‬الذي ُتغرس فيه قصائد‬                 ‫والنافذة مفتوحة»‬
    ‫وضع إجابة على الأسئلة‬             ‫سيميك بثبات‪ -‬هي المواقع‬        ‫نلاحظ أن الغرفة خالية من‬
  ‫المطروحة‪ .‬علاوة على ذلك‪،‬‬           ‫التأملية التي يتم من خلالها‬     ‫الأشياء المادية بينما النافذة‬
   ‫فإن سؤال «أيهما يقول؟»‬                                              ‫مفتوحة‪ ،‬ولكن القصيدة‬
 ‫يكشف عن عدم ثقة سيميك‬                  ‫النظر في هذه التشعبات‪.‬‬       ‫تطالبنا بالعودة إلى العنوان‬
  ‫في الأنظمة الأيديولوجية أو‬        ‫فعلى سبيل المثال‪ ،‬في قصيدة‬         ‫«هويتى السرية»‪ ،‬لندرك‬
  ‫حتى اليقينيات الميتافيزيقية‬                                        ‫أن سيميك كان يبحث عنها‬
 ‫التي يمكن أن تقدم مثل هذه‬                ‫«أديت أدوا ًرا في أصغر‬      ‫طوال رحلته في المجموعة‪.‬‬
                                     ‫المسارح»‪ ،‬سوف نلاحظ أن‬            ‫كما أنه لم يصف النافذة‬
    ‫الإجابات‪ .‬لذا‪ ،‬فإنه يترك‬                                       ‫بالملونة أو المتسخة أو المغلقة‬
    ‫القارئ مع صوت مزعج‬                             ‫الجزء التالى‪:‬‬      ‫بل إنها مفتوحة في إشارة‬
   ‫لجدجد أسود يبدو وكأنه‬                ‫«‪ ..‬الحجر هو مرآة تعمل‬        ‫إلى دعوة القارئ بالدخول‬
   ‫قلب بشري‪ ،‬وهو نوع من‬                                               ‫في عالمه السري والخاص‪،‬‬
 ‫التوليف بين العالم الطبيعي‬                             ‫برداءة‪.‬‬        ‫الذي يتميز بكونه خاوى‬
                                         ‫لا شيء فيها إلا العماء‪.‬‬     ‫من الأثاث وفناجين الشاى‬
      ‫والإنساني الذي كانت‬                ‫عماؤك أو عماؤه‪ ،‬أيهما‬      ‫والفتات والأوراق والملابس‬
     ‫القصيدة تبحث عنه منذ‬           ‫نقول؟ في الصمت يلوح قلبك‬         ‫المهترئة من غرف القصائد‬
 ‫سطرها الأول‪ ،‬ولكن بمجرد‬                                            ‫السابقة‪ ،‬وعلى القارئ مهمة‬
‫العثور عليه‪ ،‬يعكس قلي ًل من‬                     ‫كجدجد أسود»‪.‬‬       ‫البحث والاكتشاف‪ .‬فالشاعر‬
                                        ‫يبدأ فيه سيميك بالحجر‪،‬‬         ‫بدأ المجموعة منذ أن كان‬
             ‫الراحة واليقين‬          ‫وبعدها يؤسس القصيدة في‬        ‫طف ًل حملته أمه «مقم ًطا فوق‬
                                       ‫العالم الملموس‪ ،‬ثم يتعمق‬         ‫المدن المحترقة» في مكان‬
             ‫المصادر‪:‬‬                                               ‫شاسع يشهد ويلات الحرب‬
                                          ‫مستوى الاستفسار في‬            ‫بينما ينهى رحلته داخل‬
 ‫‪ -‬ذبابة في الحساء‪ ،‬تشارلز سيميك‪،‬‬      ‫الكلمة التى تليها ألا وهى‬                  ‫غرفة خاوية‪.‬‬
   ‫ترجمة إيمان مرسال‪ ،‬الكتب خان‬     ‫«مرآة»‪ ،‬حيث يبدو أن وصف‬              ‫كما أن اهتمام سيميك‬
                                                                    ‫بالأشياء‪ ،‬والتي تضع عمله‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪.2016 ،1‬‬          ‫الحجر كمرآة يشكك في‬           ‫ضمن جماليات الوجود‪،‬‬
  ‫‪ -‬العالم لا ينتهى‪ ،‬تشارلز سيميك‪،‬‬     ‫فعالية محاولة العثور على‬
 ‫ترجمة أحمد م‪ .‬أحمد‪ ،‬الهيئة العامة‬    ‫تشابه المرء في العالم‪ ،‬ولكن‬
  ‫في وزارة الثقافة السورية‪ ،‬دمشق‪.‬‬   ‫الجملتين التاليتين‪« ،‬لا شيء‬
                                        ‫فيه إلا العماء‪ .‬عماؤك أو‬
‫‪- Scarry, Siobhan, “World of‬‬         ‫عماؤه‪ ،‬أيهما نقول؟» يعكس‬
‫‪objects| The poetics of Charles‬‬     ‫هذا السؤال ويعقده‪ ،‬متسائ ًل‬
‫‪Simic” (2004). Graduate Stu-‬‬            ‫عما إذا كان العماء‪ ،‬وهو‬
‫& ‪dent Theses, Dissertations,‬‬          ‫نوع من الصمت والغياب‬
‫‪Professional Papers. 4113.‬‬           ‫الموجود في الحجر‪ ،‬قد يكون‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241