Page 256 - merit 52
P. 256

‫بالتخصص إلا التوجه إلى أي‬                                ‫العـدد ‪52‬‬                          ‫‪254‬‬
      ‫دولة غربية‪ .‬ولكن للأسف‪،‬‬
     ‫لم تكن هناك الإمكانية لذلك‪،‬‬                                            ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬     ‫الأساسية‪ ،‬بما يتفرع عنها من‬
      ‫لأسباب شخصية وأسرية‪.‬‬                                                                ‫مسارات دقيقة نسبيًّا‪ ،‬وبناءات‬
      ‫وعد ُت إلى العمل بالصحافة‬         ‫الندرة في هذا المجال؟‬                             ‫رأسية وأفقية وأولويات وقدرة‬

  ‫والإعلام والمراسلات الإخبارية‪،‬‬      ‫هذه قصة طويلة ومؤلمة‪ .‬وهي‬                               ‫على تبديل الأولويات حسب‬
  ‫وبدأت بإصدار أولى مجموعاتي‬       ‫قصة جيل بالكامل‪ .‬قصة مرتبطة‬                          ‫الطلبين الاجتماعي والسياسي من‬

     ‫القصصية عام ‪ 1996‬والتي‬           ‫بالمصائر الفردية‪ ،‬وبالتحولات‬                        ‫جهة‪ ،‬وحسب المتطلبات الدولية‬
     ‫تأخرت كثي ًرا بسبب سفري‬          ‫التاريخية والظروف السياسية‬                        ‫والإقليمية من جهة أخرى‪ ..‬فماذا‬
                                                                                        ‫لدينا من هذه المعايير والمقومات؟!‬
                     ‫ودراستي‪.‬‬            ‫العامة‪ .‬لقد أنهيت الدكتوراة‬
        ‫منذ أن قررت ترك مجال‬          ‫مع انهيار الاتحاد السوفييتي‪،‬‬                            ‫كلامي هذا لا علاقة له ببث‬
‫التخصص عام ‪ ،1995‬لم أفكر أو‬                                                                  ‫الإحباط أو بتشويه «سمعة»‬
‫أندم‪ ،‬ولم أشغل نفسي بأي أسئلة‬           ‫وانهيار الشعارات والأحلام‬                          ‫مصر‪ .‬إنه كلام واقعي بحاجة‬
 ‫افتراضية من قبيل‪ :‬ماذا لو كنت‬     ‫الكبرى‪ .‬وفي الحقيقة‪ ،‬فتخصصي‬
   ‫قد بقيت في مجال التخصص؟!‬        ‫على سبيل المثال كان موجو ًدا فقط‬                            ‫ليس إلى مؤتمرات للشباب‬
 ‫لماذا لم أهاجر إلى الغرب لمواصلة‬  ‫في جامعة بغداد وفي جامعة الفاتح‬                      ‫العالمي‪ ،‬أو حوارات وطنية ولجان‬
 ‫العمل بالتخصص؟! ماذا ستفعل‬
  ‫الفيزياء بدوني وبدون جهودي‬           ‫من سبتمبر‪ .‬والغريب‪ ،‬أنه مع‬                          ‫شعبية وكل هذا الكلام الفارغ‬
     ‫الجبارة؟! كل ما هنالك أنني‬      ‫انهيار الاتحاد السوفييتي‪ ،‬بدأت‬                        ‫الذي يهدر موارد الدولة ويبدد‬
  ‫بدأت السير في اتجاه آخر لتلبية‬    ‫حرب الخليج وتم تدمير العراق‪.‬‬                         ‫أموال الضرائب‪ ،‬ويتم استخدامه‬
   ‫احتياجاتي واحتياجات أسرتي‬                                                               ‫بأشكال سياسية لتبرير القمع‬
     ‫حص ًرا‪ ،‬بعي ًدا عن الطموحات‬        ‫وقبلها تم ضرب الإمكانيات‬                          ‫والفساد‪ ،‬وإنما بحاجة إلى خطة‬
      ‫الكبرى والشعارات الكبرى‬        ‫العلمية للعراق‪ ،‬وتم تجريد ليبيا‬                      ‫عمل إجرائية والبدء بالعمل على‬
  ‫و»الأوهام» الكبرى‪ ،‬وأنا مدرك‬     ‫من أي مقومات علمية وتعليمية في‬                           ‫أرض الواقع بعي ًدا عن الفساد‬
‫جي ًدا أن ما لم أحققه من طموحات‬     ‫مجال العلوم الطبيعية‪ .‬طب ًعا كان‬                      ‫والتلاعبات السياسية‪ .‬إنه خطة‬
‫وأحلام في مجال العلوم‪ ،‬سيحققه‬       ‫من الممكن العودة والعمل مدر ًسا‬                     ‫للبحث عن عناصر ومقومات بناء‬
  ‫غيري من أي جيل لاحق‪ ،‬سواء‬                                                                ‫الحضارة الحديثة والمعاصرة‪.‬‬
     ‫في مصر أو في روسيا أو في‬           ‫في الجامعة أو في أي مدرسة‬                         ‫لكنني أعتقد أننا سنظل بعيدين‬
      ‫ألمانيا‪ .‬هكذا تتحدد المصائر‬   ‫أجنبية‪ .‬ولكن ماذا نفعل إذا كانت‬
    ‫الإنسانية‪ ،‬وتظهر الاختلافات‬                                                              ‫عن أي مشاركة طالما تتسيَّد‬
 ‫بين مصير إنسان وإنسان آخر‪.‬‬             ‫المصائر الفردية تتشابك مع‬                             ‫الغيبيات ويشارك الدين في‬
    ‫فالمصائر لا تسير على خطوط‬      ‫التحولات التاريخية والسياسية؟!‬                         ‫الحكم وفي صياغة العقل‪ ،‬وطالما‬
    ‫مستقيمة ولا بأشكال مثالية‪..‬‬                                                           ‫هناك حضور للقمع والاستبداد‬
     ‫حتى في الروايات والقصص‬           ‫وأعتقد أن هناك كثيرين غيري‬                        ‫والفساد‪ ،‬وطالما هناك غياب مزمن‬
   ‫والسينما والمسرح لا يمكن أن‬            ‫حدث معهم ما حدث معي‬                              ‫واحتقار للحرية والديمقراطية‬
   ‫نجد مصائر تسير في مسارات‬
‫أحادية أو ممهدة أو مستقيمة‪ ،‬فما‬     ‫بدرجات مختلفة ومتباينة وربما‬                                             ‫والإنسان‪.‬‬
   ‫بالنا بالحياة نفسها‪ ،‬وبأبطالها‬                  ‫بتفاصيل أخرى‪.‬‬
   ‫الواقعيين الحقيقيين الذين هم‬                                                           ‫بالرغم من حصولك على‬
                                      ‫في تلك الفترة‪ ،‬فترة تسعينيات‬                           ‫الدكتوراة في الفيزياء‬
                                       ‫القرن العشرين‪ ،‬كانت الأمور‬                            ‫إلا أنك عملت مراس ًل‬
                                   ‫سيئة للغاية في روسيا التي كانت‬
                                        ‫على وشك الإفلاس والانهيار‬                          ‫تليفزيون ًّيا‪ ،‬ومترج ًما‪..‬‬
                                      ‫والحرب الأهلية‪ .‬وكان العلماء‬                          ‫لماذا لم تعمل في مجال‬
                                                                                         ‫تخصصك‪ ،‬على الرغم من‬
                                         ‫الروس أنفسهم يهربون إلى‬
                                        ‫الخارج‪ :‬إلى ألمانيا وإسرائيل‬
                                      ‫وأمريكا والدول الإسكندنافية‪.‬‬
                                     ‫وفي عالمنا العربي‪ ،‬الأمور ليست‬
                                     ‫على ما يرام دائ ًما‪ .‬لم يكن هناك‬

                                          ‫طريق آخر لمواصلة العمل‬
   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261