Page 259 - merit 52
P. 259

‫‪257‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

‫تقري ًبا وأنت تكتب القصة‬             ‫روسيا وتفتيتها والقضاء عليها‪،‬‬    ‫لها‪ ،‬لأنها تعرف جي ًدا مخاطر ذلك‬
   ‫القصيرة‪ ،‬بالإضافة إلى‬           ‫مجرد سردية للرأي العام الداخلي‬        ‫على أفكارها القومية‪ ،‬ووضعها‬
  ‫كتابة المقالات السياسية‬           ‫بالدرجة الأولى‪ ،‬وليتامى وأرامل‬       ‫كإمبراطورية من إمبراطوريات‬
     ‫والاجتماعية‪ ،‬وعملك‬
     ‫الصحفي‪ ..‬لماذا تأخر‬                ‫روسيا والاتحاد السوفييتي‬      ‫الأطراف‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬هل تمتلك‬
  ‫حضورك الأدبي مقارنة‬               ‫لإقناعهم بصحة الغزو ونجاعته‪.‬‬       ‫روسيا المقومات الكافية واللازمة‬
    ‫بأدباء جيلك‪ ،‬ومقارنة‬            ‫هناك عدة سرديات أخرى بشأن‬
                                    ‫النازية في أوكرانيا‪ ،‬وبشأن تعدد‬        ‫لتحسين شروط تواجدها في‬
 ‫بحضورك الفاعل والأبرز‬              ‫الأقطاب‪ ،‬وبشأن تحرير أراضي‬             ‫النظام العالمي‪ ،‬وتغيير حجم‬
       ‫كمراسل ومترجم؟‬                                                      ‫حصتها في الأمن والاقتصاد‬
                                         ‫الشعوب السلافية‪ ،‬وبشأن‬              ‫والمال والفضاء؟! عل ًما بأن‬
 ‫أنا أعرف أن أربع روايات وسبع‬          ‫استعادة أملاك الإمبراطورية‬          ‫الأسلحة النووية لا يمكن أن‬
    ‫مجموعات قصصية على مدى‬           ‫الروسية‪ ،‬وبشأن حق روسيا في‬          ‫تكون كافية لتحقيق ذلك‪ ،‬إلا إذا‬
                                     ‫ميراث الإمبراطورية البيزنطية‪،‬‬      ‫أرادت النخبة الحاكمة الروسية‬
 ‫أربعين عا ًما‪ ،‬شيء محزن للغاية‪.‬‬      ‫وبشأن نفوذ روسيا كحضارة‬           ‫حرب عالمية ثالثة تستخدم فيها‬
  ‫بل ولا يمكن حتى مقارنته بعدد‬        ‫«أوراسية»‪ ..‬كل هذه العناوين‬
                                       ‫يجري تداولها كسردية هشة‬                  ‫أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬
   ‫الترجمات التي قمت بها داخل‬          ‫وغير متماسكة من أجل إقناع‬          ‫مثل هذه الحروب لا يمكن أن‬
   ‫مصر وخارجها أو الكتب التي‬                                             ‫تكون حرو ًبا صفرية أو هزائم‬
    ‫تم تأليفها في مجالات أخرى‪.‬‬            ‫العالم بحق روسيا في غزو‬         ‫وانتصارات كاملة ونهائية‪ .‬لا‬
  ‫وبالتالي‪ ،‬فهذا السؤال يستدعي‬         ‫أوكرانيا‪ .‬وإذا راجعنا التاريخ‬      ‫يمكن أن يفكر في ذلك‪ ،‬وبهذه‬
‫استعراض ظروف وأوضاع جيل‬               ‫واسترجعنا «سرديات» روسيا‬           ‫الطريقة‪ ،‬إلا أحمق أو عدمي أو‬
  ‫الثمانينيات‪ ،‬وحقبة الثمانينيات‪.‬‬                                         ‫وحش‪ .‬سيتم إضعاف روسيا‬
   ‫ويستدعي أي ًضا مسألة السفر‬              ‫السوفييتية في غزو المجر‬      ‫تدريجيًّا‪ ،‬وستظل متأخرة بعدة‬
‫والتشتت والغياب عن المكان وعن‬         ‫وتشيكوسلوفاكيا وأفغانستان‪،‬‬         ‫خطوات عن الغرب في المجالات‬
‫الوسط الأدبي والجماعة الثقافية‪.‬‬    ‫سنكتشف أن الاشتراكية والعدالة‬         ‫الأساسية‪ ،‬وعلى رأسها العلوم‬
     ‫كما يستدعي في حقيقة الأمر‬       ‫الاجتماعية كانت على رأس هذه‬
  ‫الحديث عن تركيبة هذه الحركة‬         ‫السرديات‪ ،‬وسنجد أن القضاء‬             ‫الدقيقة ومقومات الحضارة‬
‫وتوجهاتها وتواطؤاتها وجهودها‬                                          ‫الرقمية‪ .‬وستبقى مور ًدا للخامات‬
 ‫وحسناتها وجرائمها ومناوراتها‬            ‫على الإمبريالية والرأسمالية‬
                                      ‫العالمية وبناء المجتمع الشيوعي‬          ‫(النفط والغاز والأخشاب‬
                      ‫وفسادها‪.‬‬     ‫من ضمن عناصر تلك السرديات‪..‬‬               ‫والحبوب والأسمدة)‪ .‬وفي‬
‫في الحقيقة‪ ،‬جيل الثمانينيات غائب‬                                         ‫الحقيقة‪ ،‬فالغرب لم يرغب أب ًدا‬
                                              ‫فماذا حدث بالضبط؟!‬           ‫في تفتيت روسيا أو هزيمتها‬
   ‫عن المشهد النقدي المنهجي من‬           ‫عمو ًما‪ ،‬الحرب في أوكرانيا‪،‬‬    ‫هزيمة استراتيجية‪ ،‬وإلا كان قد‬
‫جهة‪ ،‬وغائب أي ًضا عن القارئ من‬         ‫ستكون حر ًبا طويلة ومرهقة‬        ‫فعل ذلك عندما كانت روسيا في‬
                                      ‫ومكلفة لجميع الأطراف‪ ،‬حتى‬        ‫أضعف وأحط حالاتها بعد انهيار‬
  ‫جهة أخرى بحكم الزمن والنقلة‬          ‫إذا انتهت العمليات العسكرية‬        ‫الاتحاد السوفييتي‪ .‬ولكنه هو‬
  ‫التاريخية والاجتماعية والتقنية‬    ‫المباشرة في الأراضي الأوكرانية‪.‬‬       ‫بالذات الذي حافظ على وحدة‬
‫وبعض الحسابات الأخرى‪ .‬وربما‬         ‫وأشك أن هذه العمليات ستنتهي‬           ‫أراضي روسيا وساعدها على‬
                                        ‫حتى قبل عامين أو ثلاثة أو‬        ‫الحفاظ على ترسانتها النووية‪.‬‬
     ‫أي ًضا بنتيجة عمر هذا الجيل‬                                            ‫وما يتردد حاليًا على ألسنة‬
  ‫القصير من حيث الفترة الزمنية‬                             ‫خمسة‪.‬‬      ‫المسؤولين الروس وقادة الكرملين‬
                                                                           ‫بشأن رغبة الغرب في هزيمة‬
      ‫بين سطوة جيلي الستينيات‬           ‫منذ التقينا عام ‪1980‬‬
   254   255   256   257   258   259   260   261   262   263   264