Page 261 - merit 52
P. 261

‫‪259‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

‫نظرة حنان أو كلمة امتنان‪ ،‬أو أي‬         ‫الطبقة الوسطى‪ ،‬ما ساعدهم‬         ‫وعلى الترويج لأعمال بعضهم‬
  ‫تقدير‪ .‬فراح يبحث عنها بجائزة‬       ‫على إزاحة كل ما سبق من تأثير‬           ‫البعض وفق أسلوب تبادل‬
  ‫أو بشهادة تقدير أو بكلمة مدح‬
  ‫على السوشيال ميديا‪ .‬والحديث‬           ‫فلول الستينيات والسبعينيات‬    ‫المصالح ( َشيِّ ْلني وا َشيِّ َلك)‪ ،‬وفتح‬
  ‫هنا عن سياق عام وحركة عامة‬             ‫والثمانينيات‪ .‬وأص ًل لم يكن‬      ‫الأبواب أمام بعضهم البعض‬
    ‫وملامح جيل‪ ،‬وليس عن جهد‬            ‫هناك جيل ثمانينيات له ملامح‬
      ‫فردي أو مبادرة شخصية‪،‬‬               ‫أو تقاليد‪ .‬كان مجرد «جزر‬     ‫للنشر هنا وهناك‪ ،‬للحصول على‬
 ‫حتى لا ينزعج أبناء أي جيل من‬         ‫منعزلة» و»جثث حية» وحضور‬             ‫الأموال والحظوة والجوائز‪..‬‬
               ‫الأجيال المذكورة‪.‬‬        ‫رمادي‪ ..‬هذا طب ًعا إضافة إلى‬      ‫وهذا بدوره ساهم في تنشيط‬
      ‫لا شك أن حقبة الثمانينيات‬     ‫امتلاك جيل التسعينيات شعارات‬
 ‫شهدت بعض النماذج التي كانت‬          ‫وصيغ مختلفة عن النسوية وعن‬       ‫الحركة الثقافية والفنية والإبداعية‬
                                        ‫«الصراع بين الرجل والمرأة»‪،‬‬         ‫بدرجات كبيرة وجيدة على‬
‫تحاول تقليد نجيب سرور ويحيى‬            ‫وامتلاك تصورات مغايرة عن‬
   ‫الطاهر عبد الله وأمل دنقل على‬       ‫الشعارات الكبرى بعيدة تما ًما‬     ‫الرغم من المشاكل والصراعات‬
 ‫مستوى السلوكيات والتصرفات‬            ‫عن لغو الأجيال السابقة‪ ،‬وذلك‬         ‫والدناءات الكثيرة التي كانت‬
                                      ‫في محاولة للبدء من الصفر على‬                            ‫تحدث‪.‬‬
 ‫و»الصعلكة» و»السنكحة»‪ ،‬ولكن‬          ‫أنقاض أجيال فاشلة من وجهة‬           ‫غابت كل هذه التقاليد بحلوها‬
   ‫هذه النماذج فشلت بامتياز‪ ،‬لا‬           ‫نظره‪ .‬ولكن لم يكن يرفض‬             ‫ومرها وسوءاتها عن جيل‬
                                      ‫مساعدة أفراد بعينهم من جيلي‬
‫لأنها كانت فاشلة إبداعيًّا فقط‪ ،‬بل‬    ‫الستينيات والسبعينيات‪ ،‬ونسج‬       ‫الثمانينيات الذي يمكن أن نطلق‬
‫وأي ًضا لأنها لم تكن نماذج إبداعية‬    ‫علاقات ذات طبيعة معينة معهم‬           ‫على أبنائه مصطلح «الجزر‬
                                         ‫تعود عليه بالمنفعة‪ ،‬سواء في‬
  ‫أصيلة من حيث مصادر الإبداع‬         ‫العمل بالجامعات أو في النشر أو‬     ‫المنعزلة»‪ .‬وعادت فقط مع قدوم‬
   ‫وامتلاك الموهبة الحقيقية‪ .‬كما‬                                       ‫جيل التسعينيات الذي جاء راف ًعا‬
                                                    ‫في فتح الأبواب‪.‬‬
 ‫أنها انطفأت سريعا بفعل تشتيت‬          ‫يبرز جيل الثمانينيات بين هذه‬       ‫سيف التمرد على كل الأجيال‬
  ‫الطاقة والجهد‪ ،‬وتغير الأوضاع‬                                         ‫السابقة‪ ،‬ومسل ًحا بمعرفة اللغات‬
 ‫الاجتماعية والثقافية والسياسية‪،‬‬        ‫الأجيال الثلاثة‪ ،‬مثل «الغراب‬
  ‫وانحسار المد الثقافي‪ -‬الفكري‪-‬‬     ‫الأبيض» بفشله ونكوصه وشحه‬             ‫الأجنبية والتعليم العالي الجيد‬
                                    ‫وإحباطاته واغترابه‪ .‬وحتى عندما‬          ‫والنوعي‪ ،‬وامتلاك الأصول‬
       ‫الحضاري‪ ،‬ودخول العالم‬        ‫ظهر لفلوله وبقاياه بصيص ضوء‬              ‫«الأرستقراطية!» والانتماء‬
    ‫منذ بداية التسعينيات‪ ،‬أو منذ‬                                           ‫العرقي لآباء بيولوجيين من‬
 ‫منتصف التسعينيات‪ ،‬إلى المرحلة‬         ‫من أجل الحياة والاستمرار أو‬          ‫إفرازات الشريحة العليا من‬
    ‫الانتقالية التي كانت مقدمة لما‬   ‫لتحصيل بعض المكاسب التافهة‪،‬‬
                                     ‫تعامل مع الأمر وكأنه فع ًل جيل‬
      ‫نحن فيه الآن‪( ..‬لا أملك أي‬
‫توصيف عقلاني أو موضوعي أو‬               ‫ثمانينيات ليس لديه أي هدف‬
                                          ‫أو منهج‪ ..‬تعامل بعشوائية‬
       ‫منهجي للمرحلة الحالية)‪.‬‬
      ‫ومرة أخرى‪ ،‬أعود إلى جيل‬         ‫وانعدام ثقة‪ ،‬ولم يكن يرى أبعد‬
      ‫التسعينيات الذي ظهر بقوة‬          ‫من أنفه‪ ،‬أو بالأحرى أبعد من‬
       ‫كالشهاب‪ .‬وكان ينتمي إلى‬
   ‫مشارب متنوعة ومتعددة‪ ،‬وله‬         ‫الكائنات التي تحاصره وتفرض‬
  ‫خلفيات اجتماعية مختلفة تما ًما‬       ‫عليه سطوتها المادية والمعنوية‬
  ‫عن الأجيال الثلاثة التي سبقته‪،‬‬        ‫والجسدية‪ ..‬واتضح أنه جيل‬
   ‫لأنه كان هناك تيار قد تأسس‬         ‫محروم من كل شيء‪ ،‬حتى من‬
     ‫منذ الخمسينيات‪ .‬هذا التيار‬
   256   257   258   259   260   261   262   263   264   265   266