Page 263 - merit 52
P. 263

‫‪261‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

     ‫ربما يكون مشروعي الوحيد‬                  ‫وملفات ثقافية أو فنية‪ ،‬أو‬            ‫والصحافة الثقافية‪ ،‬مثلما نطالب‬
    ‫البسيط والمضحك‪ ،‬هو «إعادة‬            ‫تتضمن معلومة ما مفيدة لأحد‪،‬‬                 ‫بفصل السلطات في الدولة من‬
    ‫بناء العالم بشكل هزلي‪ ،‬لأنني‬       ‫أو تكون قادرة على رسم ابتسامة‬
    ‫فع ًل لم أعد قاد ًرا على التعامل‬     ‫أو ضحكة على وجه أحد‪ .‬ولكي‬                ‫أجل المزيد من الشفافية وتقليص‬
  ‫معه بجدية»‪ .‬وهذا الأمر لنفسي‬                                                                      ‫رقعة الفساد‪.‬‬
 ‫فقط ولا أمليه على أحد‪ .‬كما أنني‬            ‫لا أظهر بمظهر الشخص اللا‬
 ‫لا أريد إطلا ًقا تغيير العالم‪ ،‬وإنما‬  ‫مبالي ج ًّدا أو المترفع ج ًّدا‪ ،‬فأحيا ًنا‬      ‫حضورك قوي ولافت‬
   ‫الاستمتاع به ومناكفته وإعادة‬        ‫تنفعني الصفحة كأرشيف لأفكار‬                   ‫على فيس بوك‪ ،‬لدرجة‬
‫اكتشافه يوميًّا‪ .‬ومن يريد أن يغير‬                                                   ‫أن لديك القدرة والوقت‬
  ‫العالم‪ ،‬فعليه أن يختار الوسائل‬          ‫يمكن كتابتها بشكل أكثر جدية‬
  ‫المادية المناسبة والفعالة للتغيير‬    ‫لجريدة أو مجلة أو موقع من أجل‬                   ‫لتكتب عدة تدوينات‬
   ‫ويترك الكتابة والفن لأداء دور‬                                                     ‫طويلة كل يوم‪ ،‬وغال ًبا‬
 ‫آخر أكثر تواض ًعا وسم ًّوا ومتعة‬                         ‫لقمة العيش‪.‬‬                ‫ما تدور حول موضوع‬
                                               ‫في كل الأحوال‪ ،‬أصبحت‬
                      ‫وإنسانية‪.‬‬        ‫السوشيال ميديا جز ًءا من «الواقع‬                ‫واحد‪ ،‬ويختلط فيها‬
 ‫وهنا أود أن أختم بمقطع سردي‬             ‫الإبداعي» الراهن‪ .‬بل وأصبحت‬                ‫الجد بالهزل‪ ..‬هل فكرت‬
 ‫لصديقي الشاعر والناقد والمثقف‬           ‫تمثل وسائل للنشر‪ .‬وهناك من‬
                                         ‫يستطيعون كسب الأموال منها‪.‬‬                    ‫في الاستفادة من هذه‬
                 ‫طاهر البربري‪:‬‬               ‫وهناك من يواصلون تقاليد‬                  ‫الكتابات الغزيرة؟ أم‬
  ‫هذه الشوارع لا ذاكرة لي فيها‪،‬‬          ‫جيل الثمانينيات في تبديد الجهد‬            ‫أنها مجرد تفريغ طاقة لا‬
‫هذا الخراب لم يعد ينكأ جر ًحا‪ ،‬أو‬           ‫والطاقة والوقت‪ .‬وما أود أن‬            ‫تستهدف من ورائه شي ًئا؟‬
 ‫يصطاد شخرة أسى في حنجرة‪.‬‬                ‫أقوله‪ ،‬هو أن تفريغ الطاقة حتى‬
 ‫أنا الجديد على المكان‪ ،‬الجديد على‬       ‫وإن لم نكن نستهدف منه شيئًا‪،‬‬                 ‫كلمة «الهزل» تروق لي‪ ،‬لأنها‬
 ‫الزمان‪ ،‬لي مقا ٍه أخرى‪ ،‬وشوارع‬        ‫فهو في حد ذاته صورة من صور‬                     ‫مناسبة لطبيعة «التايم لاين»‬
‫جديدة حككت فيها قدم َّي حافيتين‬           ‫الفعل والتأثير والتراكم‪ .‬ولكن‬              ‫العربي في الفيسبووك‪ .‬ويمكن‬
                                       ‫طب ًعا من الجميل والرائع أن يأتي‬            ‫بالطبع استثناء بعض الصفحات‬
                     ‫كي أنسى‪.‬‬           ‫تفريغ الطاقة هذا ببعض الأموال‬                  ‫الجادة والمهمة‪ ،‬أو الكوميدية‬
 ‫نسيت‪ :‬زعق ٌة تافهة بنشيد وطني‬             ‫أو العلاقات‪ .‬فكلنا بحاجة إلى‬            ‫الخالصة أو المتخصصة في علوم‬
‫حيث بالغ الشاعر في اصطناع آهة‬            ‫الأموال والحياة الجيدة والأمان‬                ‫ومهن ووظائف ما‪ .‬ولكن أنا‬
                                                                                    ‫أميل إلى الهزل بمعناه الإبداعي‬
                ‫واجتلاب دمعة‪..‬‬                                  ‫المادي‪.‬‬            ‫والنقدي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فأنا لا أفصل‬
      ‫وسرق الملحن ما تيسر من‬               ‫أما الأمر الآخر‪ ،‬فهو يتمحور‬              ‫في الحقيقة بين الجد والهزل في‬
    ‫ضربات الطبول كي يؤكد على‬           ‫بشكل جوهري حول أنني لا أرى‬                   ‫العديد من الأفكار والموضوعات‬
‫عزيمة الفدا‪ ،‬وأمومة البلاد للبلاد!‬     ‫في نفسي كاتبًا محتر ًفا‪ ،‬ولم أحلم‬             ‫التي أكتبها على صفحتي‪ .‬وفي‬
‫وترنم الكورال ببلاهة ‪-‬لا أساس‬              ‫أب ًدا لا بالشهرة ولا بالجوائز‬           ‫الواقع‪ ،‬فهناك موضوعات جادة‬
      ‫لها ولا قوصر ٍة‪ -‬كي يفسر‬           ‫ولا بترتيب بين الأدباء والكتاب‬            ‫يتم نشرها على صفحتي‪ .‬لكنني‬
   ‫الخرافة التي لا علاقة لها بنيل‬        ‫والمشاهير‪ .‬كل ما هنالك أنني لا‬             ‫لم أفكر أب ًدا في كيفية الاستفادة‬
  ‫ولا حضور لها على سفح هرم‪.‬‬             ‫أملك مشرو ًعا أدبيًّا أو فكر ًّيا ولا‬     ‫من هذه الموضوعات الطويلة التي‬
  ‫هذا بيان بالكفر بكل ما ترك في‬            ‫أفكر في ذلك‪ ،‬ولا أنوي أص ًل‬               ‫تستهلك وقتًا ومجهو ًدا‪ ،‬ولكن‬
‫القلب شر ًخا وفي الروح قي ًحا وفي‬       ‫امتلاكهما‪ .‬اليوم أقف على ناصية‬             ‫لا يمكن استثناء أن تكون بعض‬
   ‫العمر ما أسماه الرومانتيكيون‬            ‫الحلم وأهتف‪« :‬ليس لدى أي‬                 ‫الأفكار محرضة لعمل تحقيقات‬
                                         ‫مشروع أدبي‪ ..‬ولم أفكر أب ًدا في‬
                        ‫اغترابًا‪.‬‬      ‫امتلاك أي مشروع من أي نوع”‪..‬‬
   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268