Page 267 - merit 52
P. 267
265 ثقافات وفنون
رأي
نسترشد بها ونسير عليها لا نملك حنة أرندت كبير على النتيجة التي يحققها
التقليل أو التتفيه من حجم أفعالنا، تنفيذ الأمر.
«شريرة» وهم غير مدركين،
لأن ذلك أي ًضا هو شر مطلق، فهل نعتبر سلوكها البيروقراطي أما النوع الثاني من الأوامر،
على سبيل المثال :كلمتك المهينة الأوامر الأخلاقية المطلقة ،فهي
لصديقتك هي شر مطلق ،التعنت الصارم ش ًّرا مطل ًقا؟ تعتمد على القواعد الأخلاقية في
مع مرؤوسيك وإخضاعهم بالقهر من منظور تفاهة الشر فإنه لو حد ذاتها بغض النظر عن النتائج،
هو شر مطلق ،تعديك على حق اعتبرنا الشر غير متأصل بطبيعة بمعنى أن عليَّ رعاية والد َّي لأن
غيرك في طابور البنك أو المرور هو النفس البشرية ،فهذا لا ينفي هذا مبدأ أخلاقي واجب بحد ذاته.
شر مطلق ،أخذ انتفاعك بالواسطة جثامة العواقب ،وهو ما يفسر لنا لكن عندما نحكم على النتائج بمدى
والمحسوبية هو شر مطلق ،خدش نو ًعا من التفهم لمرتكب الأفعال أخلاقية الفعل ،فمن أين يستمد
كرسي السينما أو المطعم أو وسيلة الشريرة ،لكن في نفس الوقت لا الفعل طبيعته الأخلاقية المطلقة؟
المواصلات التي تستخدمها هو شر يعفيه من المسؤولية ،لأن لنا في بمعنى كيف نحكم على فعل ما بأنه
مطلق ،الأمر كله معني بفلسفتك الأخير دو ًرا في المجتمع ،وأي فعل نابع من أمر أخلاقي مطلق؟ كانط
الأخلاقية وبالتالي طريقة اتخاذ نفعله له مردود على هذا المجتمع يحدد لنا أنه عندما يكون هذا الفعل
شمولي وغير متحيز يكون وقتها
قراراتك. مهما كانت تافهة أو ضئيلة. فع ًل أخلاقيًّا مطل ًقا ،حسنًا ماذا
وعلى هذا المنوال يمكن فهم الأمر هنا ،وفي هذا الوقت ،أنه قد
سيكولوجية «موظفة الخزينة» من تم تفتيت الشر أو تمييعه إلى حد يعنى هذا؟
خلال مفهوم تفاهة الشر ،ولنؤكد أننا لا نراه ،نرتكبه ولا نراه ،فما يقصد كانط أن الأوامر الأخلاقية
على أن انسياق مجتمع بأسره في دامت نوايانا خيره وناصعة ،إذن المطلقة تتميز بأنها منفصلة تما ًما
بوتقة البيروقراطية أو الاعتيادية
مدمر لكل فرد في هذا المجتمع، فمن أين يأتي الشر؟ قد يكون عن الشخص الذي يتخذ القرار
تنفيذ الأوامر واتباع العادات انغماسنا الزائد في التفكير في والظروف المحيطة به ،وأن قوة
والنسق الاجتماعية دون مساءلة العواقب ُيزيد أحيا ًنا من تخبطنا الطبيعة الأخلاقية للفعل مستمدة
تنقص الفرد حريته وفرديته الأخلاقي ،لأن المرء يكون حينها من كون المبدأ غير مرتبط بإنسان
ويصبح من السهل عليه أن يقع أمام مليون نتيجة ما بين الخير معين أو مكان معين أو ظروف
في فخ الجريمة والعنف ،وهو ما والشر ،الفكرة هنا أننا كمتفكرين معينة ،وهو بالظبط الفكر الذي
التقطته حنة أرندت لتؤكد تفاهة في منظومتنا الأخلاقية التي عليه مذهب الأخلاق الواجبة؛ أن
الشر ،وأن أسوأ أنواع الشر هو أحكم على أفعالي بمعيار واحد فقط:
الذي يصدر من أناس لا قيمة لهم هل هذه الأفعال أخلاقية أم لا؟
لأنهم تافهين وسطحيين وتفكرهم بغض النظر عن نظرتي الشخصية
في غاية الاضمحلال ،خاصة لو
تواجدت تلك الشخصيات في مركز للأمور وتفسيري للموقف
والظروف المحيطة والنتائج
سلطة أو قيادة أو نفوذ
المحتملة.
هامش: بالتالي عندما ترى «موظفة
الخزينة» أن عليها اتباع أوامر
-يمكن التعرف أكثر على تفاصيل دولاب العمل دون النظر إلى
المحكمة من خلال الاطلاع على كتاب التضرر المصاحب له ،فالالتزام
«أيخمان في القدس :تقرير عن تفاهة بما يمليه عليها مهام الوظيفة هو
أمر أخلاقي ،أما لو تم القياس على
الشر». «العواقبية» ،أي اعتبار نية الأفراد