Page 265 - merit 52
P. 265
263 ثقافات وفنون
رأي
نجمة إبراهيم محمود المليجي إيمانويل كانط على شباك الخزينة لأراه مفتو ًحا
والموظفة موجودة وبدون طابور،
العادي للشر وأذى آخرين قد يفرض عليهم أسلوب تعامل صارم وكلما اقتربت من شباك الخزينة
لا يعرفهم حتى ،أو يوجد بينه وعديم الذوق؟ عندها تذكرت
كلما ازداد حماسي وبهجتي
وبينهم أية ضغينة. فيلسوفتي المفضلة «حنة أرندت» كأني عروس أمر خلال سرداب
وجدت حنة أرندت أن (أيخمان) وهي تعيد تعريف البديهيات في
بيروقراطي عادي لطيف نو ًعا ما، مصطلح «تفاهة الشر» ،وكيف «الزفة» على استعداد للوصول
والذي على حد تعبيرها «لم يكن يمكن كشف عوار النفس البشرية إلى «الكوشة» ،وعند وصولي إلى
منحر ًفا ولا ساد ًّيا» ،ولكنه طبيعي شباك الخزينة بابتسامة بلهاء كان
بشكل مرعب ،لقد تصرف دون بقليل من الشر التافه.. رد الموظفة عليَّ أن ماكينة الإيداع
أي دافع سوى التقدم في مسيرته
المهنية في البيروقراطية النازية(،)1 هل يمكن أن يفعل الإنسان معطلة!
فلم يكن أيخمان بيروقراطيًّا لا الشر دون أن يكون حسنًا! آخر ما أتوقعه أن أسمع
أخلاقيًّا ،أيخمان يعادل المواطن شر ًيرا؟ شيئًا كهذا ،فبعد قرار الحكومة
بأن يتم «ميكنة» التعاملات المالية
«الأسمر» ،الشخص الهاديء «كنت أطيع الأوامر» ..واحدة لم أتوقع أن يكون في الحسبان أن
البسيط الذي يكون هدفه في الحياة من أشهر جمل محاكمات القرن الماكينة المسؤولة عن الميكنة معطلة،
الماضي (محاكمة أدلوف أيخمان)،
هو اتباع الأوامر وأكل العيش، كتبت حنة أرندت عدة تقارير حول ومع محاولاتها لفتح وإغلاق
وهو ما جعلها تفكر في أن مفهومنا المحاكمة التي عقدت في القدس الماكينة أكثر من مرة فشلت كل
عن الخير والشر وأسبابه ودوافعه لمحاكمة أيخمان ،ونشرت فيما بعد المحاولات للتسديد ،وليخيب ظني
مبالغ فيها ،فنحن نتخيل الشخص في كتاب تحت عنوان( :أيخمان في للمرة الثالثة وسط صدى صوتها
القدس :تقرير حول تفاهة الشر)، الذي تردد داخل أذني «عدي علينا
الشرير بأنه نسخة «محمود وصفت فيه كيف ينزع الشخص بكرة» ،ومع أن هذا لم يكن أول
المليجي» أو «نجمة إبراهيم»؛ خيبة أمل مع موظفي الحكومة؛
أشخاص خارجون عن الطبيعة ولأني مررت بمواقف أشد خطور ًة
وسو ًءا ،إلا أن ما استوقفني ح ًّقا
هي ابتسامتها الهادئة لاح ًقا داخل
أتوبيس الجامعة الذي جمعنا سو ًّيا
في طريق العودة ،لم أصدق أن هذه
الشخصية المبتسمة الهادئة هي من
كانت «خالتي فرنسا» منذ قليل،
أين الصوت الحياني وعبارات
السب واللعن؟ أين التأفف والتجهم
والعبوس؟ ما هذا الازدواج
المفاجيء في دقائق قليلة؟
ظللت طوال طريق العودة أفكر في
سيكولوجية «موظف الحكومة»
ومقدار الشر الذي يصدره أو الذي
يضمره ،هل هم فع ًل شريرون
يتعمدون تعطيل مصالح الناس،
أم هم ضحايا نظام بيروقراطي