Page 257 - merit 52
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫حوار‬

  ‫أدوات الحرب هي التي اختلفت‪،‬‬         ‫لمصالحها‪ ،‬وقادرة على إيقاف‬           ‫نحن بلحمنا ودمنا وظروفنا‬
       ‫وشكل الأسلحة وقدراتها‪،‬‬       ‫عجلة التعسف والغوغائية التي‬          ‫وتحولاتنا وتحولات العالم من‬
      ‫ووسائل الاتصال والأقمار‬
                                       ‫تمارسها الأنظمة السياسية‬                               ‫حولنا‪.‬‬
     ‫الصناعية‪ ،‬واستخدام العلوم‬          ‫في الشرق أو في الغرب‪ ،‬مع‬
     ‫الطبيعية والاجتماعية‪ .‬ولكن‬         ‫الفارق طب ًعا‪ .‬يجب أن تظل‬      ‫كمراسل تليفزيوني كنت‬
   ‫تبقى طبيعة الحرب وجوهرها‪:‬‬         ‫هناك عصا مرفوعة دائمة على‬          ‫حاض ًرا في معظم النقاط‬
  ‫عدو الحضارة والتقدم‪ ،‬والضد‬        ‫رؤوس الموظفين الذين يتولون‬        ‫الملتهبة حول العالم‪ ،‬حيث‬
    ‫لإنسانية الإنسان‪ ،‬مهما كانت‬     ‫إدارات الدول‪ ،‬وهذه العصا هي‬        ‫الاضطرابات والمظاهرات‬
 ‫المبررات والسرديات‪ .‬الحرب هي‬        ‫القانون والدستور والضمانات‬        ‫والاعتصامات والحروب‬
   ‫“الجنون”‪ ،‬كما قال الفيلسوف‬     ‫اللازمة والكافية لتطبيقهما‪ ،‬وهي‬
    ‫الفرنسي جان بول سارتر في‬         ‫كذلك المظاهرات والاعتصامات‬          ‫والمجازر والنيران‪ ..‬ما‬
   ‫رسالته‪ ،‬عام ‪ ،1960‬إلى رئيس‬                                            ‫الذي تود أن تقوله عن‬
 ‫تحرير جريدة “أونيتا” الإيطالية‬                    ‫والاحتجاجات‪.‬‬        ‫هذا الجنون الذي يصيب‬
   ‫ماريو أليكاتا‪ ،‬بمناسبة الهجوم‬       ‫أما الحروب فهي شيء آخر‬           ‫الناس؟ وكيف استفدت‬
                                   ‫تما ًما‪ .‬إنها عدو الحضارة والعلم‬
        ‫الكاسح على فيلم «طفولة‬                                             ‫أنت شخص ًّيا من هذا‬
  ‫إيفان» للمخرج الروسي أندريه‬            ‫والتقدم‪ ،‬والضد لإنسانية‬                      ‫التواجد؟‬
                                      ‫الإنسان‪ ،‬لأنها تجرد الإنسان‬
      ‫تاركوفسكي‪ ،‬حيث كيلت له‬        ‫من إنسانيته وتحوله إلى وحش‬          ‫ستظل المظاهرات والاحتجاجات‬
    ‫صحافة الأحزاب والتنظيمات‬       ‫ومستبد وكائن عدمي مضر‪ .‬أنا‬            ‫والاعتصامات موجودة في كل‬
                                    ‫أدرك أن ما أقوله يبدو «مثاليًّا»‬        ‫دول العالم‪ ،‬طالما هناك ظلم‬
       ‫الشيوعية آنذاك الاتهامات‬     ‫للغاية‪ .‬وأعرف تما ًما أن أسباب‬      ‫وفساد ومحاولات لقمع الناس‬
      ‫بالانتهازية والجهل‪ ،‬وتزعم‬       ‫الحروب لا تزال كما هي منذ‬            ‫واقتطاع أجزاء من جهودهم‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي حملة‬      ‫الإنسان البدائي الأول‪ :‬أن يحصل‬
‫وضيعة ضد المخرج وضد الفيلم‪.‬‬        ‫طرف على ما لدى الطرف الآخر‬         ‫ونتائج أعمالهم‪ .‬وهذا في الحقيقة‬
 ‫ولكن سارتر خرج شاه ًرا سيفه‬       ‫تحت مبررات كثيرة‪ ،‬أن يستولى‬         ‫أمر رائع ومهم‪ ،‬ويجب أن يبقى‪،‬‬
     ‫ضد الأحزاب الشيوعية التي‬         ‫طرف على ما لدى طرف آخر‬
   ‫تنضوي تحت سقف التحريفية‬            ‫وفق سردية معينة! قد تكون‬             ‫وأن تظل المجتمعات متيقظة‬
   ‫الروسية‪ -‬السوفييتية‪ ،‬ووضع‬
  ‫النقاط على الحروف‪ ،‬ووضعهم‬
      ‫بالمرة في‬
  ‫أماكنهم التي‬
     ‫تليق بهم‪.‬‬
   ‫الحرب هي‬
       ‫الجنون‬
    ‫والوحشية‬
      ‫والسلب‬
      ‫والنهب‪،‬‬
    ‫مهما كانت‬
    ‫السرديات‬
  ‫والتبريرات‪.‬‬
‫وربما كان هذا‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262