Page 274 - merit 52
P. 274

‫العـدد ‪52‬‬                                                      ‫‪272‬‬

                                                                                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬  ‫د‪.‬جمال العَّتابي‬

     ‫الفنان بول كلي‪..‬‬                                                                                                             ‫(العراق)‬
         ‫الفن العربي‪..‬‬

   ‫الإحساس باكتمال‬
‫التكوين وجلاء الرؤية‬

     ‫عزو ًفا عن الظهور‪ ،‬زاه ًدا في‬     ‫النظام الطبيعي‪ ،‬على الفنان أن‬          ‫فنانون من أمثال‬                                     ‫ثمة‬
                        ‫الحياة‪.‬‬     ‫ينفذ إلى منابع رفعة الحياة‪ ،‬منبع‬          ‫ماتيس وبيكاسو‬
                                                                               ‫ومور‪ ،‬تركوا لنا‬
‫كرس طاقته كاملة لإبراز خيالاته‬          ‫القوة لكل زمان ولكل الفراغ‪،‬‬           ‫شرو ًحا واضحة‬
‫العميقة وتصوراته الأكثر بع ًدا في‬        ‫وحينئ ٍذ فقط‪ ،‬سوف تتاح له‬           ‫لأهدافهم وبيانات‬
‫أغوار الحياة الداخلية‪ ،‬في الطبيعة‬      ‫الطاقة والحرية اللازمتان لأن‬        ‫دقيقة عن مناهجهم وعن معنى‬
                                     ‫يخلق بالوسائل الفنية الصحيحة‬         ‫أعمالهم‪ ،‬غير أن الرسام الألماني‬
    ‫وعالم اللاشعور‪ ،‬في العاشرة‬         ‫عم ًل فنيًّا يفيض بالحياة‪ ،‬لكن‬        ‫المولود في سويسرا (بول كلي‬
  ‫من عمره يرسم (عش اللقلق في‬         ‫ما من شيء يمكن اقتحامه‪ ،‬وقد‬              ‫‪ )1940 -1879‬يتفرد بينهم‬
                                     ‫أدرك بوضوح أن الجهد الفردي‬               ‫بالترابط المنطقي الذي ينتظم‬
    ‫أعالي الجبال)‪ ،‬إذ يقود الوعي‬    ‫ليس بكا ٍف‪ ،‬وأن المجتمع هو المنبع‬          ‫كلماته عند عرضه لأفكاره‪،‬‬
 ‫واللاوعي اليد على الورق ليحقق‬                                              ‫كلي واسع الاطلاع في الفلسفة‬
  ‫الخيال والرؤى والكتابة الذهنية‬                 ‫الأخير لقوة الفنان‪.‬‬        ‫وفي العلم‪ ،‬متفوق قدير في فن‬
  ‫بدقة ومطابقة تامة‪ ،‬لم تكن هذه‬     ‫بول كلي واحد من الآباء المجددين‬            ‫الموسيقى‪ ،‬كل هذا حقق له‬
  ‫المحاولة مجرد نزوة‪ ،‬إنما كانت‬                                           ‫اتساع مراجعه‪ ،‬وعزز قدرته على‬
‫وصلة أشارت إلى ما يتمتع به من‬              ‫في الفن الحديث‪ ،‬شارك في‬
                                        ‫الوقائع والتبدلات في الحركة‬                            ‫الإيضاح‪.‬‬
        ‫تفتح‪ ،‬وبداية لأفق جديد‪.‬‬       ‫الفنية منذ مطلع القرن الماضي‪،‬‬         ‫إنه يدافع عن حق الفنان في أن‬
     ‫يوصف بول كلي بأنه رسام‬                                               ‫يخلق حقيقته الخاصة كما يشاء‪،‬‬
      ‫الكون‪ ،‬فلم يتخذ فنان آخر‬            ‫انتزع الإعجاب من أوساط‬          ‫حسب ما يذكره لنا هربرت ريد‪،‬‬
      ‫(الكون) موضو ًعا له بنفس‬           ‫الفنانين والدارسين على حد‬
 ‫الدرجة‪ ،‬إذ وصف غناه ووحدته‪،‬‬         ‫سواء‪ ،‬كان بوسعه أن ينطلق كما‬             ‫بيد أن هذا العالم السامي‪ ،‬لا‬
   ‫وصور ما يتمتع به من تباين‪،‬‬         ‫يشاء‪ ،‬من عالم المادة الكثيف إلى‬      ‫يمكن صنعه إلا حينما يستجيب‬
  ‫مشي ًرا في كل لوحة من لوحاته‬       ‫عالم الأطياف الهائمة‪ ،‬كان هيك ًل‬
      ‫إلى مبدأ الكون الذي يسميه‬      ‫معمار ًّيا قائ ًما بذاته‪ ،‬خارج نطاق‬      ‫الفنان لقواعد معينة ثابتة في‬
‫شعراء الرومانسية (روح الكون)‪،‬‬          ‫النمطية‪ ،‬ورغم ذلك كان رج ًل‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279