Page 272 - merit 53
P. 272

‫هذا الكلام أكرره كثي ًرا‪ .‬لكن دعنا‬  ‫لو لم يكن هناك جوائز هل سأتوقف‬
   ‫نفرق بين تصورين للسياسة‪..‬‬            ‫عن الكتابة؟ لا أظن‪ ..‬فالكتابة‬

‫السياسة كسلطة تنفيذية وأحزاب‬          ‫أقرب إلى مس من الجنون‪ ..‬نتعب‬
    ‫وانتحابات ووزراء وقرارات‪..‬‬       ‫لسنوات وراء إنجاز كتاب ثم لا يدفع‬
       ‫فهذا عالم كامل معرفتي به‬       ‫لنا الناشر فل ًسا! ومن غير الوارد لأي‬
      ‫وكواليسه ليست عميقة ولا‬          ‫كاتب مهما كانت براعته أن يفوز‬
    ‫تختلف عن معرفتي بميكانيكا‬        ‫بجائزة عن كل كتاب‪ .‬فالمهم ليس‬
                                       ‫الجائزة بل أن يكون الكتاب الذي‬
 ‫السيارات‪ ،‬ولا أحب أن أفتي فيما‬      ‫أنشره أفضل مما سبقه‪ .‬أتصور أن كل‬
   ‫لا أعلم‪ ..‬وليس لدي أي تجربة‬         ‫ما ينشره الكاتب بروفات للوصول‬
     ‫ممارسة‪ ،‬إذا اعتبرنا أن لدينا‬
         ‫فضا ًء سياسيًّا يعتد به‪..‬‬              ‫إلى‪ ‬الكتاب‪ ‬الحلم‪.‬‬

 ‫هذا يختلف عن السياسة كخطاب‬          ‫خير وبركة ومحبة‪ ،‬وإذا انفصلنا‬      ‫والشريعة وينشغل به المؤمنون‬
   ‫ثقافي‪ ،‬قابل للتحليل والتأويل‪..‬‬         ‫عنها تعذبنا في العنف والدم‬  ‫الذين يلزمون أنفسهم بدين معين‬
                                                                       ‫ومواقيت عبادة‪ ،‬وطريق الحقيقة‬
  ‫هذا ما يثير شهيتي للمشاكسة‪..‬‬          ‫والعنصرية والكراهية‪ ..‬أحاول‬
   ‫بالتأكيد ثمة قيم عامة يفترض‬       ‫الاتصال بها وأحب كل من يسعى‬           ‫الذي يتطلب حكمة الفلاسفة‬
   ‫أن يتمتع بها كل إنسان‪ ،‬وليس‬                                        ‫والتأمل والروحانية والحدس‪ ،‬ولا‬
                                        ‫للاتصال بها‪ ،‬بغض النظر عن‬
 ‫المثقف فقط‪ ،‬سواء أكان من العالم‬         ‫هويته الدينية‪ ..‬من وحي ذلك‬      ‫يشترط التقيد بطقوس محددة‪،‬‬
     ‫الثالث أو الأول‪ ..‬يفترض في‬          ‫السعي كتبت روايتي الجديدة‬        ‫بل يتعامل برحابة أن الطريق‬
                                     ‫«ابتسامة بوذا» المتأثرة بالتصوف‬   ‫إلى الله بعدد أنفاس الخلق‪ .‬لس ُت‬
   ‫المبدع أن ينحاز لهذه القيم مثل‬                                     ‫عالمًا في الفيزياء ولا رجل شريعة‪،‬‬
‫احترام حرية التعبير‪ ،‬وخصوصية‬                      ‫الآسيوي والبوذي‪.‬‬      ‫لذلك أعتبر الطريق الثالث أقرب‬
                                                                         ‫إلى مزاجي الفني‪ .‬وإن كنت لا‬
  ‫الفرد‪ ،‬وحقه في العدالة والكرامة‬       ‫قلت إنه ليس لك علاقة‬
 ‫الإنسانية‪ ..‬هذا كله ليس سياسة‪،‬‬       ‫بالسياسة‪ ،‬هل هو الزهد‬                     ‫أفترض تعار ًضا بينها‪.‬‬
                                     ‫فيها أم اليأس منها؟ وهل‬                  ‫محبتي لآل البيت وزيارة‬
    ‫بل قيم إنسانية توصلت إليها‬                                          ‫الأضرحة لا تختلف عن زيارتي‬
     ‫البشرية عبر رحلة ارتقائها‪..‬‬         ‫تعتقد أن مثقف العالم‬            ‫للكنائس وإشعال شموع‪ ،‬فهو‬
    ‫ومشكلتنا في عالمنا الثالث أننا‬         ‫الثالث لديه رفاهية‬              ‫سعي روحاني وليس توج ًها‬
      ‫مازلنا نتعامل مع تلك القيم‬                                       ‫دينيًا‪ ..‬أومن بأننا جزء من طاقة‬
     ‫(البديهيات) بتشكك ورفض‪.‬‬           ‫اعتزال السياسة والنأي‬            ‫حب كونية‪ ..‬إذا اتصلنا بها نالنا‬
 ‫وهذا قد يكون لأسباب سياسية‪،‬‬                     ‫بنفسه عنها؟‬
  ‫لكنه أي ًضا ناتج عن وعي منغلق‬
 ‫ومتزمت وحظوظه من الاستنارة‬
 ‫والمعرفة قليلة‪ ..‬لا أتحدث بمنطق‬

       ‫الوصاية أو الاستعلاء على‬
  ‫الناس‪ ..‬فقط أشير أننا في أزمة‪،‬‬
 ‫قائمة حتى في الغرب لكن بآليات‬
   ‫مغايرة‪ ..‬ودور المبدع ‪-‬وإبداعه‬
‫أي ًضا‪ -‬أن يبصر بأزمات الإنسان‬
   ‫ويساعده في تحرير وعيه نحو‬
 ‫الأفضل‪ ،‬وتحسين شروط حياته‬
   267   268   269   270   271   272   273   274   275   276   277