Page 8 - الأخلاق-الخير-والسعادة
P. 8

‫اﻷﺳﺗﺎذ‪:‬ﻋﺑداﻟﺻﻣدﺣﻣدي‬

‫ﻓﺈﻧﻧﻲ أﻋرف ﻋﻠﻰ اﻟﻔور ﻣﺎ ﯾﻧطوي ﻋﻠﯾﮫ‪ .‬ذﻟك ﻷﻧﮫ ﻟ ّﻣﺎ ﻛﺎن اﻷﻣر ﻻﯾﺣﺗوي ﺑﺎﻹﺿــــــﺎﻓﺔ إﻟﻰ‬

‫اﻟﻘﺎﻧون‪ ،‬إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺿرورة اﻟﺗﻲ ﺗﻘﺿﻲ ﺑﺄن ﯾﻛون اﻟﻣﺑدأ اﻟذاﺗﻲ ﻣطﺎﺑﻘﺎ ﻟﮭذا اﻟﻘﺎﻧون‪ ،‬وﻛﺎن‬
‫اﻟﻘﺎﻧون ﻻ ﯾﺗﺿ ّﻣن أ ّي ﺷرط ﯾﺣ ّده‪ ،‬ﻓﻠن ﯾﺑﻖ ﺷﻲء ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﺳوى اﻟﺟﺎﻧب اﻟﻛﻠﻲ اﻟﻌﺎم ﻣن‬
‫اﻟﻘﺎﻧون ﺑوﺟﮫ ﻋﺎم‪ ،‬اﻟذي ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺑدأ اﻟذاﺗﻲ ﻟﻠﻔﻌل أن ﯾﻛون ﻣطﺎﺑﻘﺎ ﻟﮫ‪ ،‬وھذه اﻟﻣطﺎﺑﻘﺔ‬
‫ھﻲ وﺣدھﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﺻ ّور ﻟﻧﺎ وﺟﮫ اﻟﺿرورة ﻓﻲ ھذا اﻷﻣر"‪ .‬ﺑﻣﻌﻧﻰ‪ ،‬أن اﻷﻣر اﻟﺷرطﻲ ﻻ‬
‫ﯾُﻣﻛﻧﻧﺎ ﻣﻌرﻓﺗﮫ إﻻ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺷرط اﻟذي ﯾﺣ ّدده‪ ،‬ﻛﻘوﻟﻧﺎ‪ :‬إﻋﻣل ﺑﺟ ّدﯾﺔ إذا ﻛﻧت ﺗرﻏب ﻓﻲ‬
‫اﻟﻧﺟﺎح‪ .‬أو‪ ،‬ﻻﺗﻛذب ﺣﺗﻰ ﯾﺣﺗرﻣك اﻟﻧﺎس‪ .‬ﻓﻔﻲ ﻛﻼ اﻷﻣرﯾن "إﻋﻣل ﺑﺟدﯾّﺔ" و "ﻵ ﺗﻛذب"‪،‬‬
‫ﻧﺣن ﻧﻌﻠم اﻟﻐﺎﯾﺔ واﻟﮭدف‪ ،‬وﻛﻼھﻣﺎ ﺗُﻌطﻲ ﻟﻸﻣر اﻟذي ﺗﺗﻌﻠﻖ ﺑﮫ وﺿوﺣﮫ وﻣﻌﻧﺎه‪ ،‬وإذا ﻣﺎ‬
‫ﻏﺎب اﻟﺷرط اﻟذي ﯾﺗﻌﻠﻖ ﺑﮫ اﻷﻣر‪ ،‬ﺻﺎر ذﻟك اﻷﻣر ﻻ ﻣﻌﻧﻰ وﻻ ﻗﯾﻣﺔ ﻟﮫ‪ .‬أﻣﺎ اﻷﻣر اﻟﻘطﻌ ّﻲ‬
‫ﻓﺈﻧﻧﺎ ﻧﻌرﻓﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔور ﺣﺳب "ﻛﺎﻧط"‪ ،‬ﻷن ذﻟك اﻷﻣر ﻻ ﯾﺗﺿﻣن ﺳوى "اﻟﻘﺎﻧون اﻷﺧﻼﻗﻲ"‬
‫اﻟذي ﻧﺗﻣﺛﻠﮫ ﻓﻲ أذھﺎﻧﻧﺎ داﺋﻣﺎ ﻓﻲ ﺻﯾﻐﺔ "إﻓﻌل ﻛﻣﺎ ﻟو أﻧك ﺗرﯾد ﻟﻔﻌﻠك أن ﯾﺻﯾر ﻗﺎﻧوﻧﺎ ﻛﻠﯾّﺎ"‪،‬‬
‫وﺑﻣﺎ أن ذﻟك اﻟﻔﻌل طﺑﻘﺎ ﻟﺻﯾﻐﺗﮫ اﻟﺷﻣوﻟﯾﺔ واﻟﻛوﻧﯾّﺔ‪ ،‬ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﮫ ﺑﺎﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺧﺎ ّﺻﺔ واﻟﻣﯾل‬
‫واﻟﮭوى‪ ،‬ﺻﺎر ﺑﺎﻟﺿرورة ﻗﺎﻧوﻧﺎ ﯾﻌﺑّر ﻋن اﻟﻘﺎﺳم اﻟﺟوھري ﺑﯾن اﻟﻧﺎس ﺟﻣﯾﻌﺎ‪ ،‬اﻟذي ھو‬
‫اﻟﺣرﯾّﺔ‪ .‬وﺗﻠك اﻟﺣرﯾّﺔ ھﻲ اﻟﺗﻲ ﺳﺗﺟﻌل ﻣن إراداﺗﻧﺎ اﻟذاﺗﯾّﺔ ﺗرﺗﻘﻲ أﺛﻧﺎء اﻟﻘﯾﺎم ﺑﺎﻟﻔﻌل إﻟﻰ‬
‫ﻣﺳﺗوى اﻟﺗطﺎﺑﻖ ﻣﻊ اﻟﻘﺎﻧون ﺑوﺻﻔﮫ ﯾُﻌﺑّر ﻋﻧﮭﺎ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﺳﯾﻛون وﺟﮫ اﻟﺿرورة ﻓﻲ طﺎﻋﺗﻧﺎ‬
‫ﻟذﻟك اﻷﻣر ﻣﺗﺄ ّت ﻋن اﻟﺣرﯾّﺔ ذاﺗﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﺗُﻠزﻣﻧﺎ ﺑﺎﻟﺗﻣﺎﺛل ﺑﮭﺎ واﻟﺗطﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧون اﻷﺧﻼﻗﻲ‪،‬‬
‫ﺣﺗﻰ ﯾﻛون ﻓﻌﻠﻧﺎ أﺧﻼﻗ ّﯾﺎ ﻣﺣﺿﺎ ﻻ ﻧﺗﻘﯾّد ﻓﯾﮫ ﺑﻣﺻﻠﺣﺔ أو ﻧﺎزع أو ﻣﯾل أو ھوى‪ .‬وﻣن ھذا‬
‫اﻟﻣﻧطﻠﻖ ﻓﺈن "ﻛﺎﻧط"‪ ،‬ﺣﯾﻧﻣﺎ ﯾﻌرض ﻓﻲ ﻣؤﻟﻔﮫ "أﺳس ﻣﯾﺗﺎﻓﯾزﯾﻘﺎ اﻷﺧﻼق" ﻟﻣﺛﺎل اﻟﺗﺎﺟر اﻟذي‬
‫ﯾُﺷﮭر اﻷﺛﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻌﮫ اﻟﻣﻌروﺿﺔ ﺑوﺿوح‪ ،‬وﻻ ﯾﻐش زﺑﺎﺋﻧﮫ ﺣﺗﻰ وإن ﻛﺎن ﻣن ﺑﯾﻧﮭم‬
‫أطﻔﺎﻻ‪ ،‬ﯾﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻛﯾد أن ذﻟك اﻟﻔﻌل اﻟذي ﯾﻘوم ﺑﮫ اﻟﺗﺎﺟر‪ ،‬ﻻ ﯾﻣﺛل ﻓﻌﻼ أﺧﻼﻗﯾّﺎ ﻣﺟ ّردا‬
‫ﻟذاﺗﮫ‪ ،‬ﺑل ﯾُﻌﺗﺑر ﻓﻌﻼ ﯾﻌﺑّر ﻋن ﺣﺳن ﺳﻠوك اﻟﺗﺎﺟر اﻟذي ﺳﯾﺳﺗﻔﯾد ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣن ﺣﺳن‬
‫ﻣﻌﺎﻣﻠﺗﮫ ﻟزﺑﺎﺋﻧﮫ‪ .‬وإذا ﻛﺎن ﯾﻌرض ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻣؤﻟف وﻧﻔس اﻟﺣﯾّز إﻟﻰ أھﻣﯾّﺔ اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑﺎﻟﺻﺣﺔ‬
‫ﻷﺟل اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬وﯾﻌﺗﺑر أن ھﻧﺎﻟك ﻣن ﯾﺣ ّوﻟون إھﺗﻣﺎﻣﮭم ذاك‪ ،‬إﻟﻰ ﺗﻠﮭف ﺷدﯾد‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻧﺎﯾﺔ ﺑﺎﻟذات‪ ،‬إﻟﻰ ﺣ ّد ﯾُﺻﺑﺢ ﻣﻌﮫ ذﻟك اﻟﺗﻠﮭف "إﻧﺷﻐﺎﻻ ﻣﺻﺣوﺑﺎ ﻓﻲ ﻣﻌظم اﻷﺣﯾﺎن‬
‫ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ"‪ ،‬ﻓﺈﻧﮫ ﯾﻌﺗﺑر أن ﻣن ﯾﻘوم ﺑذﻟك‪ ،‬ﯾﻛون ﺑﺻدد اﺣﺗرام اﻟواﺟب‪ ،‬وﻟﯾس ﺑﺻدد اﻟﻘﯾﺎم ﺑﻔﻌﻠﮫ‬
‫ﺑﻣﻘﺗﺿﻰ اﻟواﺟب ﻓﻲ ﺣ ّد ذاﺗﮫ‪.‬وﺣﯾﻧﺋذ‪ ،‬ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺳﺗﺧﻠص ﺑوﺿوح‪ ،‬أن اﻟواﺟب اﻷﺧﻼﻗﻲ‬
‫ﻣﻊ "ﻛﺎﻧط" ھو اﻷﻣر اﻟﻘطﻌﻲ اﻟذي ﯾُﻠزﻣﻧﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧون اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻛﻘﺎﻋدة ﺳﻠوﻛﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻔﻌل ﻻ‬
‫ﻧطﻠب ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ ﺗﺣﻘﯾﻖ اﻟﻣﻧﺎﻓﻊ واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ وﺗﻠﺑﯾﺔ اﻟﻣﯾوﻻت واﻟﺷﮭوات‪ ،‬ﺑل ﻧﺑﺗﻐﻲ ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ‬
‫اﻟﺗطﺎﺑﻖ ﺑﺎﻟﻘﯾﻣﺔ اﻷﺧﻼﻗﯾﺔ ﻓﻲ ذاﺗﮭﺎ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺑّر ﻋﻧﮭﺎ اﻟﺣرﯾّﺔ‪ .‬وﺑﮭذا اﻟﺗﺻ ّور‪ ،‬ﺗﻛون اﻷﺧﻼق‬
‫اﻟﻛﺎﻧطﯾّﺔ أﺧﻼﻗﺎ ﻛﻠﯾّﺔ وﺷﻣوﻟﯾّﺔ وﻛوﻧ ّﯾﺔ ُﻣﻠزﻣﺔ ﻟﻠﺟﻣﯾﻊ ﻓﻲ ﻛل زﻣﺎن وﻛل ﻣﻛﺎن‪ .‬وھﻲ أﺧـــﻼق‬

                                         ‫‪-‬ص ‪- 06‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13