Page 35 - Jj
P. 35
33 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
اللبن -كما نراه يجلس بين صغيريه ُمشار ًكا ُمذنب أمام ُمعلمهُ ،منتظرة إياه لإعطائها القليل
إياهما ُمشاهدة أفلام الكارتون ،ويهتم بالاحتفال ج ًّدا من المال الشحيح من أجل الطعام ،وهو ما
بعيد ميلاد صغيره ،لكن في المُقابل هو زوج فاشل سيتضح لنا حينما يقول لها بصرامة فظة ،آم ًرا لها:
شديد القسوة ،يعطي زوجته القليل ج ًّدا من المال النهاردا وبكرا بتنجان .كما يتضح لنا بشكل أكثر
جلا ًء حينما يقول لها آم ًرا قبل حفل عيد الميلاد بعد
الشحيح للطعام ،ويخفي عنها النقود القليلة في إعطائها القليل من المال :مش عايز لخبطة بكرا.
صندوق ُمغلق بينما يحمل مفتاح قفله في جيبه، ثمة ُملاحظات ُمهمة هنا لا بد من التوقف أمامها
ويرفض دفع إيجار الشقة القذرة التي يعيشون بخصوص الزوجة والزوج :فالزوجة -التي نراها
فيها في الوقت الذي يشتري فيه نافورة ماء باهظة هنا غير حيةُ -منتهية تما ًما من الوجود ،مسحوقة
الثمن بالنسبة لهم من أجل تجميل المنزل القبيح! بشكل كامل و ُمستسلمة لقدرها ،لا مبالية بأي
شيء مما يحيطها ،أي أنها رافضة للحياة ،يعمل
بل ويأتي بكعكة عيد الميلاد للاحتفال بابنه، المُخرج بذكاء على ربط هذا الشكل والأداء الذي بدت
ويدعو زملاءه في المصنع ،وجيرانه ُمتباهيًا بما عليه ُمرتب ًطا بسلوكها اليومي العادي؛ فنراها أثناء
يفعله ،وبنافورته ،فض ًل عن استيلائه على المال قيامها بغسيل الثياب لا ُمبالية بما تفعله ،وكأنه لا
الذي يعطيه رئيسه في العمل لطفله كهدية عيد يخصها ،لذا تقوم بعصر الثياب بالصابون من دون
الميلاد ،بالإضافة إلى أننا سنكتشف فيما بعد بأنه شطفها لتقوم بتعليقها على حبل الغسيل الموجود
قد استدان من المصنع مبل ًغا كبي ًرا جعله مديو ًنا داخل الح ّمام -اللامبالاة والانفصال الكامل ،والآلية
لصاحب العمل ،ويأتي لابنه بساحر -من باب في الفعل -كما تقوم بتقطيع الباذنجان كيفما اتفق
الوجاهة الاجتماعية -في حفل عيد ميلاده ،أي لتلقيه في الزيت ،أي أنها خارج المشهد الحياتي
أنه في النهاية يبدو لنا رج ًل ُمنف ًرا ،لا يرى سوى تما ًما ،أو أن كل ما حولها لا يعنيها أو يخصها،
نفسه ،ورغم فقره الشديد ،وشح موارده إلا أنه يتبدى لنا هذا الانفصال بصورة أكثر وضو ًحا في
يوغل في هذا الشح والفقر ُمسق ًطا إياه على الزوجة المشهد الذي نرى فيه الزوجين وأطفالهما يتناولون
والأولاد في طعامهم من جهة ،والامتناع عن دفع طعامهم بينما يتحدث إليها الزوج عن الألبان؛
فنراها لا تلتفت إليه مرة واحدة أثناء حديثه -رغم
إيجار الشقة من جهة أخرى ،في الوقت الذي التفاته إليها أثناء الحديث -كما تتجاهل الرد عليه
ينفق فيه ببذخ على سجائره التي لا ُتفارق فمه، بكلمة واحدة في دلالة ورمزية واضحة من المُخرج
والاحتفال بعيد ميلاد الابن -كمظهر اجتماعي، على أنها خارج هذه الحياة تما ًما ،ولا تطيق هذا
ورغبة منه في القفز إلى طبقة أعلى ظاهر ًّيا -وشراء الرجل الفظ في التعامل معها رغم استسلامها
نافورة مائية غالية لا حاجة إليها اللهم إلا التظاهر
الاجتماعي الذي يبدو واض ًحا في قوله :بتدي شكل واضطرارها للحياة في كنفه!
حلو للمكان ،وفي نفس الوقت شيك برضه! وهي لكن ،ما الذي قد يدفع الزوجة إلى مثل هذا
الجملة التي كررها مرتين ،مرة للزوجة الصامتة الانفصال الذي لا بد له من جعلنا نتساءل عن
المُنفصلة ،ومرة أخرى لرئيسه في العمل حينما زاره
السبب في ذلك؟
في حفل عيد ميلاد ابنه! مع تأملنا لسلوك الزوج ُمنذ المشاهد الأولى سيتبين
إذن ،فمن خلال هذه الحياة التي تبدو جحيمية
لنا أنه زوج ُمتسلط ،كريه ،موغل في الذكورية،
بالنسبة للزوجة نستطيع فهم سلوك الزوجة ُمنفر ،أي أنه بدا لنا في الفيلم أ ًبا جي ًدا يرعى أبناءه،
المُنفصل ،وحيادية ملامحها التي لا حياة فيها، ويحمل رضيعه مناو ًل إياه رضعته الصناعية أثناء
وتعاملها مع زوجها وأبنائها وكأنها لا تنتمي
إليهم ،والتزامها بالصمت الدائم ،وعدم رؤيتنا لها تناوله لطعامه -التركيز على الرضاعة الصناعية
تبتسم مرة واحدة على طول أحداث الفيلم اللهم إلا بد ًل من الرضاعة من ثدي أمه فيها دلالة الفقر
مرة واحدة حينما رأت الرجل الذي يرقص ُمقل ًدا والجوع اللذين جعلا ثدييها جافين خاليين من
النساء في صالة البلياردو ،ولعل المُمثلة دميانة