Page 32 - Jj
P. 32

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪30‬‬

                                                    ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

 ‫تجهيل كل شيء في فيلمه؛ فالمكان مجهول لا دلالة‬       ‫العمل العالم الفني الذي يقدمه حام ًل معه جمالياته‬
   ‫فيه على أي شيء سوى أنه ُمجرد بقعة صناعية‬            ‫التي يعيها ويفهمها‪ ،‬وأسلوبيته التي يختلف بها‬
                                                        ‫عن غيره من ال ُصناع‪ -‬فالفن يحتمل الاختلاف‬
 ‫في مكان ما على ظهر هذا الكوكب‪ ،‬والزمن مجهول‬              ‫والخصوصية في الأسلوب أكثر من احتماليه‬
 ‫تما ًما؛ حتى أننا لا نعرف هل يدور الفيلم في الوقت‬                    ‫التطابق أو التشابه مع الآخرين‪.‬‬

    ‫الآني‪ ،‬أم في المُستقبل‪ ،‬أم في الماضي‪ ،‬وإن كانت‬   ‫إذن‪ ،‬فنحن أمام ُمخرج يحمل رؤيته الذاتية للعالم‪،‬‬
  ‫المُوسيقى والأغنيات المُصاحبة لشريط الصوت قد‬          ‫ويقدم لنا من خلال هذه الرؤية عالمه الفني من‬
‫مالت بشكل ملحوظ إلى حقبة السبعينيات من القرن‬           ‫خلال أسلوبية تخصه وحده؛ الأمر الذي حدا به‬
 ‫الماضي ‪-‬لكن هذا لا يعني بالضرورة إلى أن الفيلم‬
                                                    ‫إلى الاختلاف‪ ،‬بل والتنافر مع الذوق العام لل ُمشاهد‬
     ‫يدور في هذه الحقبة‪ -‬حتى أنه عمد إلى تجهيل‬        ‫العادي الذي ُصدم بما ُقدم إليه؛ فنفر منه لأنه لا‬
‫شخصيات فيلمه؛ ومن ثم فلن نعرف لأي شخصية‬                ‫يتناسب مع ما اعتاده‪ ،‬وما يرغب في رؤيته‪ ،‬لكن‬
‫من شخصياته أي اسم يحمل دلالة ما‪ ،‬أو أي انتماء‬          ‫رغم نفور المُشاهد العادي نجح هذا الأسلوب في‬
                                                         ‫إغلاق العالم على صناعه تما ًما من أجل اكتمال‬
     ‫ديني‪ ،‬أو عرقي‪ ،‬أو أيديولوجي؛ لأنه في حقيقة‬
 ‫الأمر لا تعنيه هذه المُفردات جميعها بقدر ما يعنيه‬  ‫الرؤية الفنية؛ ومن ثم اكتسب منطقه الخاص‪ ،‬وهو‬
‫موضوعه الذي يتأمله سينمائيًّا بأسلوبيته الخاصة‪.‬‬          ‫المنطق الذي لا يمكن لأي شخص خارج العمل‬
  ‫كما لم يهتم المُخرج ‪-‬أو تجاهل ُمتعم ًدا‪ -‬بماضي‬        ‫ُمحاسبة عالمه عليه بما أنه رؤية ُمغلقة وشديدة‬
                                                                               ‫الخصوصية والذاتية‪.‬‬
    ‫الشخصيات‪ ،‬ولا ُمستقبلها؛ فهو لا يعنيه تاريخ‬         ‫لكن‪ ،‬لم لا ننظر للأمر من زاوية أخرى ُمختلفة‬
‫شخصياته وما سيحدث لهم فيما بعد بقدر اهتمامه‬                                                  ‫تما ًما؟‬

                                                       ‫إن اختلاف تلقي المُشاهد للفيلم ‪-‬أو العمل الفني‬
                                                         ‫بشكل عام‪ -‬بل وتنافر هذا التلقي بشكل جلي‬

                                                      ‫لدرجة أن تبدو الآراء فيه على طرفي نقيض يحمل‬
                                                     ‫في باطنه دلالة غاية في الأهمية تؤكد على أن العمل‬
                                                    ‫‪-‬موضوع الاختلاف‪ -‬إنما يحمل داخله طبقات من‬
                                                       ‫الرؤى الفنية العميقة ذات الخصوصية ‪-‬وهو ما‬

                                                       ‫يخص صانعه‪ -‬والأكثر من التأويلات‪ ،‬وطبقات‬
                                                    ‫الوعي والتلقي ‪-‬التي تخص المُشاهد‪ -‬أي أن العمل‬

                                                         ‫مثار الخلاف هنا قد نجح في إثارة عاصفة من‬
                                                    ‫عدم الاتفاق عليه‪ ،‬ولعلنا نفهم أن العمل الفني الذي‬

                                                      ‫يحمل اتفا ًقا عليه سواء بالسلب أم بالإيجاب يكاد‬
                                                        ‫أن يكون عم ًل ناق ًصا؛ لأن الفن يحتمل الخلاف‬
                                                        ‫‪-‬سواء فكر ًّيا‪ ،‬أو أسلوبيًّا‪ ،‬أو جماليًّا‪ -‬أكثر مما‬
                                                                                ‫يحتمل الاتفاق عليه‪.‬‬
                                                          ‫يتناول الزهيري في فيلمه تيمة الفقر والفقراء‬

                                                     ‫و ُمعاناتهم في هذا العالم‪ ،‬وهو من خلال تناوله لها‬
                                                       ‫لا يتأملها بشكل خاص و ُمحدد‪ ،‬بل مال بالفكرة‬

                                                    ‫‪-‬التي من المُمكن لنا رؤيتها في أي مكان من العالم‪-‬‬
                                                    ‫إلى المعنى العام‪ ،‬وربما الفلسفي‪ ،‬والكوني‪ ،‬والعبثي؛‬

                                                     ‫ولكي يصل إلى هذه الفكرة العامة والمُطلقة لجأ إلى‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37