Page 29 - Jj
P. 29

‫‪27‬‬          ‫إبداع ومبدعون‬

            ‫رؤى نقدية‬

                                                                            ‫الفيلم نفسه‪ ،‬لأنها في الواقع‬

                                                                            ‫فقيرة وأمية‪ ،‬لكنها استطاعت‬

                                                                            ‫أن تتفوق على «العاريات» في‬

                                                                            ‫مهرجان الجونة رغم تعليمهن‬

                                                                            ‫ومعرفتهن باللغات وشهرتهن‬

                                                                            ‫ونجوميتهن ونفوذهن‪ .‬فعن أي‬

                                                                            ‫شيء يدور الفيلم‪ ،‬وما هي تلك‬

                                                                            ‫الفكرة الأسطورية الوهمية عن‬

                                                                            ‫«الفقر»؟! إن بطلة الفيلم نفسها‬

                                                                            ‫فقيرة وأمية في الواقع خارج‬

                                                                            ‫الفيلم‪ ،‬واستطاعت أن تغزو العالم‬

                                                                            ‫وتضع مصر بالمائة مليون من‬

                                                                            ‫رعاياها على طريق العالمية من‬

                                                                            ‫دون دجاج أو سحر أو شعوذة‬

                                                                            ‫أو حتى من دون أن تفك الخط!‬

‫زينات صدقي‬  ‫سعاد حسني‬                                         ‫تحية كاريوكا‬  ‫إن بطلة الفيلم في الواقع أمية‬
                                                                            ‫وفقيرة في عشرينيات القرن‬
             ‫على تفسير أي طلسم أو رمز موجود في الفيلم‪،‬‬
            ‫وإلا سيصبح تفسيرنا تأوي ًل!! وهنا تقع الكارثة‬     ‫الواحد والعشرين‪ .‬لكن الأسئلة حول الفقر والأمية‬
                                                              ‫لا تدور هنا عن الواقع‪ ،‬وإنما تدور في الفيلم فقط‪،‬‬
              ‫النقدية‪ ،‬لأننا ببساطة نكون قد دخلنا في منطقة‬
            ‫«التأويل»‪ ،‬والتأويل لا يفسد فقط القراءة النقدية‪،‬‬     ‫لأن المشكلة محلولة تما ًما في الواقع‪ :‬الأميون‬
            ‫بل يدمر جوهر أي عمل فني‪ ،‬لأنه ببساطة يقوم‬         ‫والفقراء يصبحون نجو ًما بعون الله وبمواهبهم‬
                                                              ‫الفذة التي تعود لانتماءاتهم المصرية‪ -‬الفرعونية‬
            ‫بدور «المحلل الشرعي»‪ :‬يضع مبررات لأشياء‬
              ‫ومعان ورموز مطلسمة وغير واضحة فنيًّا‪،‬‬              ‫حص ًرا‪ ،‬بل ويتفوقون على المتعلمين والمثقفين‬
            ‫إما لأن المعالجة لم تهتم بها أو لأنها فشلت في‬     ‫ويرفعون أعلام بلادهم في المحافل الدولية‪ ،‬بينما‬

                                                              ‫بطلة الفيلم الفقيرة المعدمة التي تستطع أن تفك‬
‫الخط وتقوم بالتوقيع على الإيصالات لا تزال تعيش التعامل معها وفي تفسيرها داخل السياق الدرامي‬
‫المطروح‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فلعبة أن يستسهل (أو يستعبط)‬
                                                                            ‫العوز والفاقة والسحر والمرمطة في الفيلم!‬
‫المخرج ويطرح أي أشياء أو رمو ًزا ليحلها المشاهد‬
            ‫ويستغرق فيها ويتأملها‪ ،‬هي لعبة خطرة وذات‬          ‫أما الرموز والطلاسم التي يطرحها الفيلم فهي‬

            ‫حدين‪ :‬إما أن يكون قاد ًرا على تفسيرها دراميًّا‬    ‫بحاجة إلى تفسير من قبل المؤلف والمخرج‪ ،‬وإلى‬
            ‫أو أنه سيفسد العمل ويجعله بحاجة إلى شرح‪،‬‬
                                                                     ‫توضيح وربما إلى «تأويل!»‪ ،‬طالما لم تتمكن‬
      ‫بالضبط مثلما جلس المخرج نفسه في مؤتمر‬                   ‫المحاولات الدرامية‪ ،‬ولم تتمكن الصورة‪ ،‬ولم يتمكن‬
‫صحفي ليشرح الفيلم ويشرح طريقته في الإخراج‪،‬‬
                                                              ‫الحوار‪ ،‬من طرحها في سياق فني‪ .‬فمن الخطأ تما ًما‬
‫أو أن يتمطع ناقد ليقوم بتأويل الرموز‪ ،‬وهنا تكون‬                  ‫السير على طريق «النقد المصري» (نقد المخبرين‬

                           ‫الكارثة!‬                           ‫وضاربي الودع وقراءة النوايا والعلم بها) حتى‬

              ‫إن الحوارات المفككة وغير المكتملة والمبتسرة‬     ‫نقوم بتفسير رموز الفيلم ورمزياته و»طلاسمه»‬
            ‫من علامات سينما ما بعد الحداثة‪ .‬وهي في هذا‬
                                                              ‫تفسي ًرا خارج إطار المعالجة الدرامية والسينمائية‪،‬‬
                                                                  ‫أو في أسوأ الأحوال خارج إطار المعالجة التي‬

‫الفيلم حسب رأي المعجبين به من أعظم ما أنتجت‬                   ‫طرحها المخرج نفسه‪ .‬فلا بد وأن يكون هناك في‬

            ‫المعالجة الدرامية ما يشير إلى المعني الذي يساعدنا السينما المصرية والعالمية‪ ،‬بدليل أن الفيلم أصبح‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34