Page 34 - Jj
P. 34
العـدد 35 32
نوفمبر ٢٠٢1
تكون ملابسها طوال أحداث الفيلم باللون الأبيض فيه حتى النهاية.
الحيادي تما ًما ،أي أن حيادية المرأة /الزوجة هنا هنا يصبح من الضرورة على المُشاهد التعامل مع
ليست مقصورة على الانفصال الكامل عما يحيطها،
بل تعدى ذلك إلى اللون الذي ترتديه طوال الوقت هذا العالم الفيلمي القاتم بناء على ُمفرداته الداخلية،
ومنطقه الخاص اللذين قدمهما له المُخرج؛ لأن أي
-الأبيض -أي أن المُخرج يؤسس لعالمه بشكل
فيه من التفصيل والوعي ب ُمفرداته ما يجعلنا، شخصية ،أو خارج خلال ُمفردات تعامل معه من
بالضرورة ،قادرين على استيعاب الأحداث والعالم ل ّي لعنق الفيلم وعالمه، سيكون بمثابة دلالة الصورة
الذي سيتوغل فيه فيما بعد. وبالتالي سنفشل في التواصل معه مما سيفسد علينا
ربما يسيطر على المُشاهد المُعتاد على ُمشاهدة
السينما العالمية إحساس ما بأنه قد انتقل فجأة عملية التلقي.
إلى أوروبا الشرقية ،أو أنه يشاهد فيل ًما من أفلام ينتقل المُخرج في المشهد التالي على أسرة مكونة
أوروبا الشرقية وأسلوبيتها الخاصة ،لا سيما أن من الزوجة -قامت بدورها المُمثلة دميانة نصار-
أسلوبية التصوير التي اختارها المُخرج مع ُمدير والزوج -قام بدوره المُمثل سامي بسيوني-
التصوير كمال سامي ،فض ًل عن الإضاءة والألوان،
والاقتصاد في الحوار وغيرها من المُفردات لا سيما وابنيهما الصغيرين ،وطفلهما الرضيع ،أي أننا أمام
البيئات الصناعية ،أو تيمة الفقر تتشابه إلى حد
كبير مع أفلام الكتلة الشرقية من أوروبا .كما أسرة صغيرة لعامل فقير تعيش في منزل شديد
س ُنلاحظ ُملاحظة أخرى أكثر أهمية تخص أسلوبية
التصوير التي ارتآها المُخرج حيث اللقطات العامة التواضع والتجرد من ُمفردات الحياة الإنسانية
Full Shotالتي لا يعنيها الاهتمام بالتفاصيل أو -لاحظ أن المُخرج يميل إلى تجريد كل شيء سواء
الملامح ،أو اللقطات القريبة Close Shotحيث
الحرص على التركيز على أيادي المُمثلين ،أو أقدامهم على المستوى المادي أو المستوى المعنوي -حيث
-الاهتمام بالفعل أكثر من الاهتمام بوجه المُمثل-
أو اللقطات المتوسطة Medium Shotالحريصة لا نرى سوى الأس َّرة التي خرج حشوها منها،
على عدم الاهتمام -في الغالب -بوجوه المُمثلين؛ والمقاعد المُتهالكة ،وتلفاز صغير ُمتهالك ،وغسالة
الأمر الذي جعل بعض المشاهد يبدو فيها الإطار ُمتهالكة ،وثلاجة مثلهما ،بينما تبدو لنا الجدران
وكأنه مقطوع بحيث لا تظهر وجوه المُمثلين الإسمنتية عارية تما ًما وقد علاها الغبار الكثيف،
-تجاهل تعابير الوجه في ُمقابل التركيز على الجسد وبقع الرطوبة ،فض ًل عن الدخان الكثيف الذي
والفعل أكثر -وهي أسلوبية خاصة تخص المُخرج، يخرج من المصانع المُحيطة بهم ،والذي يهجم عليهم
ولها علاقة عضوية ودلالية تخص الموضوع الذي
كشلال كلما بدأ المصنع في العمل؛ الأمر الذي يجعل
يتناوله.
ُنلاحظ من خلال المشاهد الأولى الخنوع الكامل الزوجة ُتسرع بإغلاق النافذة وإلا اختنقوا جمي ًعا
للزوجة التي تبدو لنا في حالة ُمكتملة من القهر مو ًتا منه .سنعرف أن البيئة المُحيطة هي عبارة
حتى أنها تبدو لنا بأنها تحيا الحياة لمُجرد أنها ما عن منطقة صناعية يحيا فيها مجموعة من العمال
زالت تتنفس؛ ومن ثم فهي ُمرغمة على هذه الحياة؛
فنراها تناوله حذاءه وملابسه بآلية ملحوظة أثناء البائسين والفقراء بينما يعيشون في مجموعة من
استعداده للخروج إلى وردية عمله في المصنع، المباني المُتهدمة التي تمتلكها إدارة الإسكان الخاصة
و ُسرعان ما نراها واقفة أمامه في شكل واضح
من الإذلالُ ،منحنية الرأس باتجاه الأرض كطالب بهذه المصانع.
لعل أول ما يجذب انتباهنا إلى هذه الأسرة البائسة
هو وجه الزوجة الحيادي تما ًما -والذي سيظل
حياد ًّيا حتى نهاية الفيلم -والذي لن نلمح عليه أي
بادرة من بوادر الحياة وكأنها ُمجرد جثة تتحرك
على قدمين ،فلا انفعالات ،ولا ابتسامة ،ولا رضا،
ولا رفض ،ولا حتى حديث سوى القليل ج ًّدا من
الكلمات ،وكأنها غير موجودة في هذا العالم ،بل
تحيا في عالم آخر ُمغلق عليها تما ًما ،أو كأنها قد
غادرت عالمنا ُمنذ فترة طويلة ،وربما من أجل
الإمعان في هذه الصورة حرص المُخرج على أن