Page 256 - m
P. 256

‫العـدد ‪55‬‬                                                ‫‪254‬‬

                                                                                                        ‫يوليو ‪٢٠٢3‬‬  ‫محمد المبروك‬
                                                                                                                    ‫عمراني‬
    ‫الذاتي والمشترك‬
  ‫في تجربة الصرخة‬                                                                                                   ‫(تونس)‬
   ‫والمكان بخزفيات‬
‫سناء الجمالي أعماري‬

 ‫خصوصياتها وتعبيرها الخاص‪،‬‬           ‫خ َّزافة‪ ..‬إتحاف الحياة والوجع‪،‬‬         ‫المقدمة‪:‬‬
      ‫فقد كان للخـزف التونسي‬         ‫وإتحاف الصراع والأمل حينما‬         ‫على سبيل صرخة‬
                                   ‫لا تناقض الطينة أسيا ًخا تخنقها‪.‬‬
‫المعاصر أن يبحث عن نقاط انعتاق‬                                          ‫الهجين والعجين‪ ،‬أو صراخ‬
 ‫يسعى فيها للتراجع عن نواميس‬              ‫فلا تتوانى الصرخات عن‬
‫القـــيود‪ ،‬وضوابط تقنية رسمها‬       ‫الاستهزاء من قدرها‪ ،‬لأن الحياة‬       ‫الطين‪ ..‬من هذه وتلك‪ ،‬تقتنص‬
 ‫السابقون‪ ،‬حيث يصعب الإفلات‬        ‫تلوح بأشكال عديدة‪ ..‬صراخ لذة‬       ‫الرحلة بلاغة الصمت‪ ،‬أو الصرخة‬
 ‫من مواضعاتها أو الخروج عنها‪.‬‬
‫فلم تعد الممارسة الفنية المعاصرة‬       ‫ومتعة‪ ،‬أم صراخ ألم ووجع؟‬             ‫الضاحكة كما نراها متعالية‬
                                                                          ‫عن تربتها؛ فروع من الأرض‬
        ‫رهينة صبغة ثقافية ذاتية‬         ‫َو ْه ُم الحواس‬                 ‫تولد من السماء متدلية بإسهاب‬
‫يتواصل فيها الخزاف مع العجين‬                                              ‫روحي متعطش لإملاء كلمات‬
                                   ‫أصبح ثراء العنصر البصري من‬            ‫الوجع‪ ،‬وكلمات الفرح‪ .‬لا نعلم‬
   ‫من أجل إعادة إنتاج الرمز‪ ،‬بل‬       ‫مداخل الفن المعاصر‪ ‬والتجديد‬       ‫أتتدلى أكوام الطين شن ًقا أم هي‬
‫أضحت مبحثًا في جوهر المادة من‬                                           ‫ُولدت اشتيا ًقا‪ ..‬الطين ُيبعث من‬
                                   ‫فيه‪ .‬فتداخلت الخامات‪ ،‬وأصبحت‬           ‫جديد بأنامل أنثى حالمة‪ .‬ربما‬
   ‫منطلق التجريب وتعدد وسائط‬          ‫الصورة مخالفة لما كانت عليه‬      ‫هي الصرخة الأولى للوليد‪ ،‬حيث‬
‫التعبير وأساليب الأداء‪ ،‬على ضوء‬        ‫استثارة للحواس واستنطا ًقا‬       ‫لا أحد يتكهن أهي فرحة ابتهاج‬
                                       ‫للطاقة الحيوية بالمادة‪ .‬الطين‬  ‫بوهج الحياة أم هي صرخة خوف‬
   ‫تداخل المواد ضمن بيئة جامعة‬              ‫والحديد خامات مختلفة‬        ‫من المجهول‪ .‬وبكل الأحوال هي‬
‫يمتد فيها اللمسي إلى عالم الخيال‪.‬‬    ‫ولكنها تتعايش وتتناقل صو ًرا‬       ‫صرخة ولدت على صخب أنامل‬

    ‫ولكي نتمكن من دراسة البناء‬       ‫مختلفة المعاني‪ .‬ولأن لكل خامة‬
    ‫الخزفي كإنشاء تعبيري يعتمد‬
    ‫التجديد؛ كان حر ًّيا أن نتطرق‬
   251   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261