Page 257 - m
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫فنون‬

    ‫مستوى الممارسة إلى الفضاء‬           ‫هامة لارتباطهما بمعنى الإثارة‬           ‫إلى تقنيات الإنشاء وممكنات‬
    ‫الاستيعابي‪ ،‬ونقله من المجال‬       ‫والتفاعل‪ ،‬بمعنى توسيع مخارج‬              ‫أداء الخامات المضافة بأعمال‬
      ‫البصري إلى الحقل الفكري‪،‬‬                                             ‫الفنانة التشكيلية والخزافة «سناء‬
‫ليكون بمثابة البرهان على التواجد‬             ‫التقبل ارتكا ًزا على نقطتي‬         ‫الجمالي أعماري»‪ ،‬في تشكيل‬
   ‫والإحساس المتجلي الذي يمكن‬           ‫استيعابية المكان والزمان‪ .‬وقد‬          ‫الصرخة‪ ،‬وعرض علاقة النار‬
 ‫من بسط سبل تواصل مع المادة‪،‬‬                                                 ‫كقوة تعبيرية نرصد من خلالها‬
‫يدفع بالتوتر بين الفكر والممارسة‬            ‫عددت الخزافة من أساليب‬             ‫أهم التحولات والتغيرات التي‬
   ‫والتجربة التفاعلية إلى أقصاه‪،‬‬      ‫التواصل مع المادة والآخر بهدف‬            ‫تحدثها الخامات المضافة‪ ،‬على‬
      ‫فتنتقل المجسمات من سجل‬         ‫إيجاد علاقة مباشراتية ُتفاعل بين‬          ‫شكل ومضمون المنجز الفني‬
   ‫تأثيري ذوقي إلى سجل معرفي‬           ‫المواد المدمجة بعي ًدا عن التعقيد‪.‬‬  ‫الخزفي‪ .‬وفي هذا السياق سنحاول‬
    ‫متعي‪ ،‬يحتوي لبس التضارب‬          ‫وكان أسلوب البساطة دافع تفاعل‬         ‫النظر في نفس التجربة «الصرخة»‬
                                                                           ‫للخزافة من زاوية مغايرة تتجاوز‬
       ‫والانسجام‪ ،‬وتباين الواقع‬           ‫لتحقيق خدعة وهم الحواس‪.‬‬            ‫نواميس الصنعة والتكلف‪ ،‬نحو‬
   ‫والخيال‪ .‬ويقيم هذا دم ًجا بين‬       ‫فيتيح الفضاء الخارجي وكثافة‬           ‫تشكيل رؤية مبحثها «صرخة»‬
  ‫إنشاء الحركة الباطنية والحسية‬        ‫عنصر الضوء فيه مجا ًل واس ًعا‬       ‫تستنطق أسس التمايز بين القيمة‬
‫وبين الفكر‪ ،‬لأنه ضرورة للخروج‬           ‫للحركة‪ ،‬وإحسا ًسا باللامتحدد‬         ‫الثقافية والقيمة الإبداعية‪ ،‬قصد‬
     ‫بالتجربة الخزفية من قيمتها‬       ‫و»يكون الخيال في لحظة مصد ًرا‬           ‫إقامة علاقة تشكيلية مع المادة‪،‬‬
    ‫الثقافية إلى قيمة إبداعية لا بد‬      ‫لكل أشكال الأمل والإلهام»(‪.)1‬‬        ‫أساسها توتر يؤسس للإبداع‪،‬‬
  ‫من البحث لها عن نقطة هروب‪،‬‬           ‫(عبد الحميد‪ ،2009 :‬ص‪)303‬‬                 ‫ويوسع مقبولية التعامل مع‬
  ‫للانعتاق بها من بوتقة الممارسة‬                                                 ‫الأشياء‪ ،‬لنقلها من الصورة‬
     ‫والانغلاق‪ .‬فتنهض الممارسة‬             ‫أجساد ووجوه غير واجمة‬              ‫«الشكل» إلى صورة «المشكل»‪.‬‬
  ‫الإبداعية والتشكيلية عند «سناء‬      ‫خاصتها صرخات تروج تراكيبًّا‬           ‫ونظ ًرا لأهمية التقنية في تأسيس‬
‫الجمالي أعماري» في تجربة المكان‬         ‫فنية تعج بأطر نفسية مختلفة‪،‬‬
  ‫والصرخة على قيم إشكالية تقر‬        ‫يتشابك فيها الظاهر والباطن وقد‬               ‫عملية التواصل‪ ،‬والتفاعل‪،‬‬
    ‫مداخل انفعالية في هذا المجال‪،‬‬                                           ‫والاندماج‪ ،‬فقد تراءت المجسمات‬
 ‫ويمكن أن يفضي هذا التآلف إلى‬            ‫انصهرا في نظام تفاعلي داخلي‬
    ‫توليد ُممكنات تعبيرية تساهم‬       ‫وخفي‪ .‬انعكس هذا التواشج على‬                ‫الخزفية مشحونة بغرائبية‬
 ‫في الإقرار بأهمية استحداث قيم‬       ‫ترجمة الأحاسيس والأفكار‪ ،‬وعلى‬                 ‫تستحوذ على عوالم الذات‬
‫إبداعية وجمالية معاصرة‪ ،‬وحلول‬                                               ‫وتساكنها‪ ،‬من خلال تمثل عميق‬
                                          ‫بيانات الممارسة ومخرجاتها‬        ‫للعالم الخارجي‪ .‬ومثلت الأجسام‬
        ‫تشكيلية لممارسة خزفية‪.‬‬           ‫الجمالية‪ .‬وهنا ارتأت الخزافة‬          ‫الصاخبة والوجوه الصارخة‬
   ‫ظلت التجربة الانفعالية محور‬          ‫أن تو ِّسع من ممكنات محاورة‬              ‫فضاءات بصرية تشاركية‪،‬‬
 ‫اهتمام الخزافة في ممارساتها‪ ،‬لم‬       ‫الخامة بطرق تسعى إلى تجسيد‬           ‫تسمح بتبادلية بصرية وحوارية‬
  ‫تكن في حقيقة الأمر بمعزل عن‬           ‫الصوت بصر ًّيا‪ ..‬إنه استنطاق‬        ‫تقدم استراتيجية تنشيط جوانب‬
   ‫قيمة إبداعية تشرع للبحث عن‬          ‫الصمت بمقروئية بصرية تتولد‬           ‫الفكر واستفزاز المعاني والمفاهيم‬
    ‫مبررات هذا النهج‪ ،‬وتستدعي‬             ‫عن حركة مسموعة تستدرج‬             ‫الصانعة لمضمون الحياة‪ .‬فتكتظ‬
                                         ‫الخيال والإحساس‪ ،‬في تداخل‬               ‫الألوان وقد تعلقت بتصور‬
       ‫تصور التمثلات التعبيرية‪،‬‬          ‫بيني‪ ،‬يحقق نو ًعا من التفاعل‬            ‫الاستفزاز البصري وحركة‬
‫والإنشائية‪ ،‬فهي السبيل البصري‬        ‫دون حدود واضحة للأمكنة‪ .‬وقد‬             ‫المشاهدة؛ إذ لا صور ثابتة‪ ،‬ولا‬
                                      ‫أضحى الحديث عن المكان محور‬
     ‫الذي يوالف بين العمل الفني‬         ‫مساءلة بين الاحتواء البصري‬                             ‫ثبات جامد‪.‬‬
      ‫والخامة؛ قصد إيجاد آليات‬       ‫والاحتواء النفسي لسلطة الخزافة‬              ‫يعد اللون والفضاء عناصر‬
      ‫ومقاصد الربط بين التقنية‬            ‫على استهداف حواس المتلقي‬
                                         ‫للانعتاق بالشكل الخزفي‪ ،‬من‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262