Page 146 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 146

‫العـدد ‪١٩‬‬                             ‫‪144‬‬

                                     ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬                        ‫الواسعة‪ ،‬ولكنها لا تساعد‬
                                                                       ‫في فهم خصوصية قصيدة‬
    ‫الحدود بين الشعر والنثر‬           ‫غالبًا ما يت ّم تصوير قصيدة‬       ‫النثر نفسها‪ .‬بد ًل من ذلك‬
 ‫غير ذي صلة بقصيدة النثر‪،‬‬                  ‫النثر على أنها بطبيعتها‬     ‫يسهم في الإفادة من ثنائية‬
 ‫لا أعني أن هذا الخط الفاصل‬                                           ‫القصيدة النثرية‪ ،‬ويستخدم‬
                                     ‫مرتبطة بمسألة أين يقع الحد‬       ‫هذه النوعية المحددة لمفاهيم‬
     ‫للحدود لم يعد ذا أهمية‪.‬‬         ‫الفاصل بين النثر والشعر‪ ،‬في‬
    ‫يمكننا مناقشة ما إذا كان‬                                               ‫مختلفة تعتمد على لعبة‬
 ‫الخط الفاصل لا يزال محد ًدا‬           ‫حين أن أكثر الأشياء غرابة‬        ‫التضاد‪ .‬على الرغم من إنه‬
     ‫بوضوح كما كان محد ًدا‬             ‫عن قصيدة النثر هو أن هذا‬        ‫لا يزال في رأيي من الممكن‬
                                                                       ‫مناقشة فكرة غياب النظام‬
      ‫للقراء في عصر بودلير‪.‬‬              ‫السياق الحاسم للقصيدة‬        ‫‪-‬أو حتى التخريب في بعض‬
     ‫بالرغم من أن القسيمين‬             ‫الحرة والنثر الشعري يبدو‬
    ‫فقدا بلا شك شخصيتهما‬               ‫غير كاف‪ ،‬أو حتى غير ذي‬               ‫الأحيان‪ -‬في القصيدة‬
   ‫المتناقضة ذات مرة‪ ،‬بسبب‬                                               ‫النثرية‪ ،‬بوصفها وسيلة‬
 ‫النسخ المعاصرة المختلفة من‬              ‫صلة بها‪ .‬يمكن للمرء أن‬          ‫للكتابة تكشف عن بعض‬
  ‫الشعرية‪ /‬شعرية النثر‪ ،‬أو‬           ‫يوافق على أن القصيدة الحرة‬       ‫السمات النموذجية المتكررة‬
  ‫التنثير الشعري‪ ،‬إلا إنه من‬                                            ‫التي تميزها على الأقل عن‬
  ‫الراديكالي بالتأكيد أن ندعي‬           ‫تظل شع ًرا‪ ،‬على الرغم من‬         ‫غيرها من الاصطلاحات‬
‫أنهما فقدا الحدود تما ًما‪ .‬يجب‬       ‫كونها خالية من قواعد الوزن‪.‬‬         ‫الأدبية مثل الشعر الحر‪،‬‬
 ‫أن نقول بد ًل من ذلك أن هذا‬                                            ‫أو النثر الشعري‪ .‬لا يعني‬
  ‫التناقض تم تجاوزه وه ّزه‪،‬‬               ‫ويمكن للمرء أن يعترف‬
  ‫ولكن بالتأكيد لم يتم إلغاؤه‬        ‫أي ًضا بأن النثر الشعري يظل‬            ‫بالضرورة الإيماء إلى‬
     ‫أو محوه‪ .‬بل على العكس‬                                             ‫التدوين والتنظيم بالطريقة‬
‫تما ًما‪ ،‬فإن بصمة هذه الحدود‬            ‫نث ًرا على الرغم من أن لغته‬
‫واستبدالها بذكرى صلاحيتها‬               ‫اكتسبت بع ًضا من البلاغة‬          ‫التقليدية‪ .‬في الواقع بعد‬
  ‫وفاعليتها السابقة هي التي‬          ‫الشعرية‪ .‬ولكن من المستحيل‬        ‫التقليل من قيمة الرومانسي‬
  ‫حلت محلها‪ ،‬ويجب التعامل‬               ‫إجراء مثل هذه الاختزالات‬
    ‫معها كظرف أدبي جديد‪.‬‬               ‫السهلة مع قصيدة النثر‪ .‬لا‬        ‫أصبح من المستحيل ومن‬
  ‫نحن كق ّراء نواجه في الواقع‬          ‫يكفي ببساطة ملاحظة أنها‬            ‫السذاجة تقنين أي نوع‬
     ‫غمو ًضا لا يمحى لشيء‬               ‫مستبعدة من هذا الوضوح‬            ‫بالمعنى الكلاسيكي‪ .‬ومن‬
    ‫وسيط بين علاقة التضاد‬             ‫المنتظم‪ .‬لقد اكتسبت بالتأكيد‬        ‫ناحية أخرى لم نتوقف‬
                                      ‫شيئًا إضافيًّا‪ ،‬يجعلها مميزة‬
                   ‫ومحوها‪.‬‬           ‫عن القصيدة الحرة‪ ،‬ولا يمكن‬        ‫عن المسميات النوعية أثناء‬
     ‫هذه العلاقة معقدة أي ًضا‬                                         ‫الحديث عن الظاهرة الأدبية‪،‬‬
                                          ‫ربطها فقط بالعلاقة بين‬
       ‫بالمعنى الواضح لكلمة‬          ‫الشعر والنثر‪ .‬كما أنه من غير‬        ‫بغض النظر عن حداثتها‬
 ‫(شعر)‪ .‬وهذا يعني إما كو ًدا‬                                               ‫النسبية والتعدد الكبير‬
                                       ‫المعقول أن نقول إن قصيدة‬        ‫لأشكالها‪ ،‬كما هو الحال في‬
    ‫للتصوير الشعري‪ ،‬يم ّكن‬              ‫النثر تظل شع ًرا لأن لغتها‬   ‫الرواية على سبيل المثال‪ .‬ومع‬
 ‫تنظي ًما نصيًّا مفر ًطا وتلقائيًّا‬   ‫شاعرية‪ .‬يستخدم الكثيرون‬        ‫ذلك فمن المثير للتفكير إنه في‬
 ‫عن بعد‪ ،‬ينحرف عن المعايير‬                                             ‫الوقت ذاته لا تلهم الرواية‬
‫اللغوية للغة العادية‪ ،‬أو مجرد‬             ‫من مؤلفي قصيدة النثر‬            ‫أي شخص ليطلق عليها‬
   ‫قصيدة‪ .‬وهكذا فإننا ندرك‬             ‫لغة لا تكشف عن الشاعرية‬          ‫(النوع الأخير) أو (خارج‬
  ‫فكرة قصيدة النثر بوصفها‬                                             ‫النوع) أو (شبه النوع)‪ ،‬كما‬
                                           ‫على الإطلاق‪ ،‬ومع ذلك‬      ‫يحدث كثي ًرا في قصيدة النثر‪.‬‬
    ‫حت ًما حالة متناقضة فقط‪،‬‬            ‫فنصوصهم لا تزال تعتبر‬

                                          ‫قصائد‪ ،‬وليست قص ًصا‬
                                     ‫قصيرة‪ .‬يبدو أنهم تمكنوا من‬
                                     ‫إنقاذ شيء من الشعر‪ ،‬وليس‬

                                        ‫مجرد الكود الشعري فقط‪.‬‬
                                          ‫عندما أجادل بأن سياق‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151