Page 150 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 150

‫ثنائي بين قسيمين متمثلين‬          ‫الغنائي والسردي والمقالة‬            ‫‪148‬‬
   ‫في الشعر والنثر هو مجرد‬           ‫النقدية‪ ،‬وغيرها من طرق‬
                                 ‫التحدث‪ ،‬يجعل أي تصنيف لا‬           ‫«أرسل إليك عم ًل صغي ًرا‪،‬‬
      ‫تبسيط‪ ،‬يمكن استبداله‬       ‫طائل منه‪ ،‬ولكن كل ما يتطلبه‬        ‫لا يمكن لأحد أن يقول إنه‬
    ‫بمفهوم الانقسام الثلاثي‬      ‫لا يزيد عن ذاتية معينة تشير‬        ‫ليس له رأس أو ذيل‪ ،‬لأنه‬
 ‫(غنائي‪ ،‬وملحمي‪ ،‬ودرامي)‪،‬‬           ‫إلى خبرة ملموسة كعنصر‬
     ‫أو الانقسام الرباعي‪ ،‬إذا‬       ‫وحيد‪ .‬وهذا هو السبب في‬            ‫على العكس من ذلك‪ ،‬كل‬
   ‫وضعنا في الاعتبار طريقة‬       ‫كون قصيدة النثر بالرغم من‬        ‫شيء فيه هو الرأس والذيل‪،‬‬
     ‫خطاب التحدث‪ .‬من غير‬          ‫تعدد أشكالها تحفظ هويتها‪.‬‬
     ‫المجدي ‪-‬أي ًضا‪ -‬التعامل‬          ‫وغني عن القول أن هذه‬           ‫وبالتناوب وبالمثل‪ .‬يرجى‬
    ‫مع هذه الأشكال المتعددة‬         ‫القصيدة متعددة الأشكال‬         ‫النظر في المزايا الرائعة التي‬
                                      ‫يمكن تفسيرها بوصفها‬         ‫يقدمها هذا المزيج لنا جمي ًعا‪،‬‬
       ‫بوصفها أشكا ًل قائمة‬        ‫الإجابة التي يقدمها الشعر‬
     ‫على التنافس بين الأنواع‬        ‫لتنوع الحياة واستمرارها‬           ‫لك ولي وللقارئ‪ .‬يمكننا‬
   ‫والأشكال الأدبية المختلفة‪،‬‬       ‫المتزايد‪ ،‬وقد أدرك بودلير‬     ‫قطع ما نحب‪ ،‬أنا‪ ،‬استغراقي‬
     ‫والاشتباه في أن الصراع‬
    ‫الخطابي الداخلي المفترض‬            ‫لأول مرة أن ذلك يمثل‬           ‫في حلم‪ ،‬أنت‪ ،‬المخطوطة‪،‬‬
    ‫يهدف إلى لفت الانتباه إلى‬        ‫حداثة‪ .‬بعد (أزهار الشر)‬         ‫والقارئ‪ ،‬قراءته‪ ،‬لأنني لا‬
 ‫قيود الأنواع الأدبية المختلفة‪،‬‬    ‫اكتشف أن الحالة الروحية‬        ‫أربط القارئ غير الصبور في‬
 ‫بوصفها إعادة إنتاج للحدود‬           ‫للإنسان المعاصر الغريب‬       ‫خيط لا متناه لحبكة لا لزوم‬
     ‫الاجتماعية والجنسانية‪.‬‬        ‫في مدينة كبيرة‪ ،‬لم يعد من‬       ‫لها‪ .‬اسحب إحدى الفقرات‪،‬‬
   ‫لماذا لا نتحدث عن قصيدة‬          ‫الممكن تصويرها بالطريقة‬
  ‫النثر من حيث إثراء وتعزيز‬         ‫التقليدية‪ .‬تطلبت الحضارة‬          ‫وسيعود نصف من هذا‬
  ‫التفسير الأدبي للواقع؟ لماذا‬    ‫المدنية المتناقضة مقاربة فنية‬   ‫الخيال الفانتازي المتعرج إلى‬
‫لا تقرأ هذه الكتابة الانعكاسية‬   ‫واقعية مختلفة‪ ،‬مقاربة يمكن‬
   ‫بشكل نقدي فقط بوصفها‬          ‫أن تكون قادرة على استيعاب‬           ‫نفسه دون ألم‪ .‬قطعها إلى‬
 ‫سؤا ًل‪ ،‬يتمثل في كيف بمكننا‬        ‫مزيج من التفاهة والجمال‬       ‫أجزاء عديدة‪ ،‬وستجد أن كل‬
‫تحويل تجاربنا إلى لغة؟ ولماذا‬    ‫الغريب‪ ،‬والانطباعات الغريبة‬
     ‫بد ًل من أن نتعامل معها‬       ‫والفزع‪ .‬أثبتت قصيدة النثر‬        ‫واحد منها يمكن أن يعيش‬
   ‫بوصفها بيا ًنا أيديولوجيًّا‪،‬‬                                     ‫بمفرده‪ .‬على أمل أن تكون‬
  ‫لا نترك أنفسنا تكتشف فن‬              ‫أنها شكل قابل للتكيف‬        ‫هذه الجذوع حية بما يكفي‬
                                   ‫والاتساع‪ ،‬لأنها تسمح لأي‬        ‫لإرضائك وتسليتك‪ ،‬أكرس‬
                 ‫الوعي بها؟‬                                      ‫الثعبان بأكمله لك» (ماكنزي‪،‬‬
                                      ‫طريقة أو آلية بالتحدث‪،‬‬
  ‫* أستاذة بقسم الشعريات‬               ‫بما في ذلك الانطباعات‬                         ‫ص ‪.)3‬‬
    ‫التاريخية‪ ،‬بمعهد البحوث‬      ‫الغنائية‪ ،‬والحكايات الملحمية‪،‬‬         ‫ما يريد بودلير التأكيد‬
     ‫الأدبية التابع للأكاديمية‬      ‫والمونولوجات والحوارات‬          ‫عليه هو الطبيعة المزدوجة‬
            ‫البولندية للعلوم‬           ‫الدرامية‪ ،‬والانعكاسات‬     ‫لقصيدة النثر التي هي كيانات‬
                                     ‫الخطابية‪ ،‬وغيرها الكثير‬      ‫مستقلة‪ ،‬وأجزاء من َكل أكبر‬
                                  ‫والكثير‪ .‬وتكشف عن أن أي‬        ‫ممثلة في الدورة‪ .‬تكشف هذه‬
                                   ‫محاولة لخفض ذلك التعدد‬          ‫الملاحظة مرة أخرى المفهوم‬
                                      ‫النوعي الهجين إلى نمط‬          ‫الحاسم لقصيدة النثر‪ :‬لا‬
                                                                     ‫ينبغي مناقشتها من حيث‬
                                                                    ‫الأشكال الأسلوبية‪ ،‬بل من‬
                                                                  ‫حيث التداول الشامل المتأني‪.‬‬
                                                                    ‫نزوعها إلى تجاوز القواعد‬
                                                                    ‫والحدود المتفق عليها التي‬
                                                                     ‫تتجلى في التجاوز المستمر‬
                                                                       ‫للمميزات التقليدية بين‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155