Page 35 - ميريت الثقافية- العدد رقم 22 أكتوبر 2020
P. 35

‫‪33‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫آي أم فورستر‬   ‫نجيب محفوظ‬                           ‫استدراكه أن العراق كان مسر ًحا لنشاط الشعر‬
                                                        ‫والتجديد في الأدب على مر العصور الحديثة‪)9(.‬‬
         ‫تطور التقاليد الروائية‬
                                                            ‫وهذا الرأي فيه نظر يتطلب التأني‪ ،‬فالقصة‬
  ‫إن ما قرره روجر ألن من أن الرواية الغربية هي‬         ‫القصيرة في العراق كانت سابقة لمثيلتها العربية‪،‬‬
  ‫المصدر الأساس الذي عليه انبتت الرواية العربية‬        ‫وكثير من القصاصين العراقيين في مطلع القرن‬
    ‫من خلال الترجمة والتقليد‪ ،‬ظل يو ِّجه مساراته‬
    ‫التحليلية للأعمال السردية العربية‪ ،‬فصار تار ًة‬       ‫العشرين كانوا ينشرون قصصهم في مجلات‬
 ‫يؤاخذ العمل الروائي‪ ،‬وتار ًة أخرى يستدرك ميَّا ًل‬         ‫مصرية ولبنانية كالثقافة الجديدة والرسالة‬

               ‫للإنصاف ومضط ًرا إلى الاعتراف‪.‬‬        ‫والمقتطف والهلال والأديب والآداب‪ ،‬كما أن الواقع‬
    ‫فمثلا حين وقف عند (حديث عيسى بن هشام)‬                ‫في العراق كان متحض ًرا ومظاهر هذا التحضر‬
‫لإبراهيم المويلحي أشاد به‪ ،‬وأنه نقلة رئيسة ومعلم‬
 ‫واضح على طريق تطور الرواية العربية‪ ،‬ومع ذلك‬        ‫بادية على مختلف جوانب النشاط الحياتي اجتماعيًّا‬
‫يرفض عد هذا العمل رواية لأنها برأيه رواية سيئة‬           ‫وسياسيًّا وثقافيًّا؛ ومن ثم لم يكن حاله كحال‬
     ‫بكل المقاييس‪ ،‬فنشرها كان على حلقات‪ ،‬وخيط‬           ‫منطقة شبه الجزيرة والخليج العربي التي ظلت‬
 ‫القصة فيها مفتعل‪ ،‬والشخصيات لا تتطور‪ .‬وحين‬
 ‫يتجسد أمامه استناد هذا العمل على تقاليد سردية‬      ‫تسودها روح البداوة ولم تتضح فيها الحياة المدنية‬
 ‫عربية أصيلة‪ ،‬يقر أنه يشابه إلى حد كبير في طابعه‬                              ‫إلا بعد اكتشاف النفط‪.‬‬
‫السردي مقامات الهمذاني‪ ،‬منتهيًا في تحليله إلى أنه‬
‫يمثل نقلة من مرحلة التقليد إلى مرحلة التجريب‪)12(.‬‬      ‫أما ما استشهد به من قول للناقد العراقي جميل‬
  ‫ولم يعلم الناقد أن مقامات أبي الثناء الألوسي في‬     ‫سعيد من «أن الكتّاب العراقيين قد لا يقبلون على‬
    ‫العراق تستبق حديث المويلحي بجيل كامل‪ ،‬فقد‬
  ‫كتب الألوسي مقاماته عام ‪ 1273‬هجرية‪ ،‬ووفاته‬             ‫الإنتاج لأن إخوانهم المصريين والسوريين قد‬
  ‫كانت عام ‪ ،1854‬بينما نشر المويلحي المولود عام‬        ‫أخذوا عليهم الطريق‪ ،‬حتى راح القراء العراقيون‬
    ‫‪( 1858‬حديث عيسى بن هشام) على حلقات في‬           ‫يفضلون قراءة الكتاب ‪-‬مهما كان موضوعه‪ -‬يكتبه‬
‫صحيفة مصباح الشرق بين الأعوام ‪1898‬و ‪.1900‬‬              ‫كاتب مصري‪ ،‬على كتاب يكتبه كاتب عراقي»(‪،)10‬‬
                                                    ‫فإنه وبعي ًدا عن طبيعة الأجواء التي فيها ألقى الناقد‬
      ‫وعلى الرغم من ذلك فإن قصدية الكاتبين في‬         ‫محاضرته على طلبة دراسات عليا مصريين‪ ،‬التي‬
     ‫استلهام تقاليد فن المقامة وتوظيفها في السرد‬      ‫ربما أوجبت عليه أن يكون مجام ًل الطبع المصري‬
                                                      ‫من باب عاطفي ليس إلا‪ ،‬تغدو حقيقة قوله كامنة‬
                                                        ‫في أن الطباعة في مصر كانت متقدمة بفضل ما‬
                                                        ‫زودها به المستعمرون الفرنسيون من متطلبات‬

                                                         ‫صناعية وطباعية‪ ،‬جعلتها تتصدر ثقافيًّا العالم‬
                                                      ‫العربي‪ ،‬وهو ما جعل أغلب النتاج العربي المنشور‬
                                                       ‫مطبو ًعا في مصر‪ .‬وللإعلام المصري دور في ذلك‬
                                                       ‫تسوي ًقا ونش ًرا‪ ،‬والمحصلة التي يخرج بها روجر‬
                                                     ‫ألن أن التطور في بدايات التقاليد الروائية جمع بين‬
                                                      ‫تقاليد مصر من ناحية وسورية ولبنان من ناحية‬
                                                    ‫أخرى‪ .‬أما في بقية الأقطار العربية اتبع تطور تقاليد‬

                                                        ‫الرواية مسا ًرا مشاب ًها(‪ ،)11‬وفي هذا الجمع تناس‬
                                                        ‫لتقاليد عربية عرفتها دول عربية أخرى لاسيما‬

                                                          ‫العراق‪ ،‬الذي شهد في عام ‪ 1919‬نشر الرواية‬
                                                      ‫الإيقاظية لسليمان فيضي‪ ،‬وفي عام ‪ 1928‬نشرت‬

                                                         ‫رواية (جلال خالد) لمحمود أحمد السيد كأول‬
                                                                          ‫رواية واقعية نقدية عراقية‪.‬‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40