Page 143 - merit
P. 143

‫‪141‬‬              ‫تجديد الخطاب‬

‫نابليون بونابرت‬  ‫كارل فون كلاوزفيتز‬     ‫سيمون بوليفار‬                        ‫والمبدعين في المجال الحربي‪ ،‬من‬
                                                                             ‫تحقيق الازدهار والسيطرة على‬
‫نبض الناس أو الوقوف على نتاج‬              ‫قائد ذي بصيرة وآخر يفتقدها‬         ‫أراضيها والهيمنة على جيرانها‪.‬‬
     ‫«العقل الجمعي» لهم‪ ،‬يساعد‬            ‫أو لا يتحصل إلا على نذر يسير‬
                                           ‫منها‪ .‬ولذا يعرف التاريخ قادة‬         ‫وقد وجدت الحضارات التي‬
 ‫القائد على صناعة السياسة التي‬                                             ‫افتقدت القادة العسكريين الأقوياء‬
 ‫تتجاوب معها الجماهير‪ ،‬وتمتثل‬                ‫تقدموا بأممهم‪ ،‬حتى في ظل‬       ‫نفسها مقهورة وخاضعة لغيرها‬
‫لها‪ ،‬وتتكاتف وراءها‪ ،‬وتسهم عن‬            ‫نظام سياسي مستبد أو شمولي‪،‬‬
‫طيب خاطر في تطبيقها‪ ،‬خاصة إن‬            ‫وآخرين تخلفوا بها إلى حد جارح‬         ‫أو معرضة للإبادة التامة‪ .‬وفي‬
‫كانت هناك مصنوعة بعناية‪ ،‬عبر‬              ‫وبارح‪ ،‬لاسيما إن كانوا ضيقي‬           ‫حالات أخرى‪ ،‬لم يكن القادة‬
  ‫مؤسسات ذات خبرة إلى جانب‬
                                              ‫الأفق‪ ،‬ومحدودي الإطلاع‪،‬‬      ‫العسكريون سوى طغاة‪ ،‬استبدوا‬
                    ‫إلهام القائد‪.‬‬           ‫وحرجي الصدور‪ ،‬ويتسمون‬           ‫بشعوبهم‪ ،‬وروعوا أعداءهم»(‪.)16‬‬
   ‫والقادة المُل َهمون والمُل ِهمون في‬
                                               ‫ببلادة المشاعر‪ ،‬وتحركهم‬          ‫وربما كان لاننج هنا متحي ًزا‬
     ‫تاريخ البشرية إن كان عملة‬          ‫غرائزهم‪ ،‬وتسيطر عليهم أنانيتهم‬        ‫لما يعرفه ويهواه‪ ،‬وهو إن كان‬
  ‫نادرة‪ ،‬فإن تعاقب القرون جعل‬                                                  ‫قوله لا يخلو من منطق قيا ًسا‬
  ‫أعدادهم كبيرة‪ ،‬لا يمكن الإتيان‬                               ‫المفرطة‪.‬‬
  ‫على ذكرهم جمي ًعا‪ ،‬واستعراض‬                ‫وفي الحالة الثانية تتضاعف‬             ‫على تجارب الأمم‪ ،‬لكن في‬
   ‫تجاربهم مع الخيال السياسي‬                 ‫فاعلية القرار‪ ،‬ويصبح أكثر‬        ‫الوقت ذاته نجد أن الأيام طالما‬
  ‫في هذا المقام‪ ،‬ولذا يمكن التقاط‬                                           ‫منحت الشعوب قادة مدنيين من‬
   ‫بعضهم(‪ ،)17‬ممن يتوزعون على‬                   ‫إحكا ًما وأكثر سلاسة في‬        ‫ذوي البصيرة‪ ،‬كانت لهم من‬
  ‫مسارات عدة‪ ،‬القائد السياسي‪،‬‬               ‫التطبيق أو التنفيذ‪ ،‬لأن خيال‬     ‫الحكمة وقوة الشكيمة‪ ،‬وتجنبوا‬
‫والقائد العسكري‪ ،‬والثائر الكبير‪،‬‬             ‫القائد صار قيمة مضافة إلى‬       ‫العيوب التي تصم أسلوب إدارة‬
‫والسياسي الحكيم‪ ،‬والعالم الثائر‪.‬‬        ‫التقديرات المدروسة التي صنعتها‬      ‫العسكريين للحياة المدنية القائمة‬
                                             ‫المؤسسات‪ .‬أما الحالة الثالثة‬  ‫على التنوع والاختلاف‪ ،‬وتصرفوا‬
                                        ‫فهي غاية في الأهمية إذ إن قياس‬        ‫طيلة الوقت بما يكفي للنهوض‬

                                                                                     ‫بواقع بلدانهم التعيس‪.‬‬
                                                                              ‫وتتفاوت نسبة مشاركة القائد‬

                                                                                   ‫الملهم في صياغة القرارات‬
                                                                            ‫واتخاذها من حال إلى آخر‪ ،‬وهنا‬

                                                                               ‫يمكن أن نفرق بين مستويات‬
                                                                                                    ‫ثلاثة‪:‬‬

                                                                                ‫‪ -1‬حين يكون القائد محتك ًرا‬
                                                                           ‫للقرار أو يسيطر على الجزء الأكبر‬

                                                                                                      ‫منه‪.‬‬
                                                                                   ‫‪ -2‬حين يعمل القائد مع‬
                                                                            ‫مؤسسات قوية وراسخة وواعية‬
                                                                                   ‫تساهم في صناعة القرار‪.‬‬
                                                                              ‫‪ -3‬حين تتسنى للقائد متابعة‬
                                                                                ‫حركة الشارع وخطابه بدقة‬

                                                                                                   ‫ووعي‪.‬‬
                                                                             ‫ففي الحالة الأولى تظهر الفروق‬
                                                                            ‫الكبيرة في التأثير على القرار بين‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148