Page 145 - merit
P. 145
143 تجديد الخطاب
ليدل هارت ونستون تشرشل في فن الحكم بما يتفق مع واقع
ظروف الحياة في ذلك الوقت،
ينتصر على هزائمه هو خياله النابعة من الغريزة ،من تلك
الجامح ،الذي طالما ألهم من حوله، الغريزة الفطرية التي تلهم النحل فقد كان بفضل إلهامه وإحساسه
وجعله يتمكن على رأس خمسمائة كيف تبني خلاياها بنظام لا نكاد الباطن أكثر إدرا ًكا للمستقبل منه
نرى نظي ًرا لإحكامه وإتقانه مع
رجل فقط ،وبعد سلسلة من للحاضر القريب»(.)18
الهزائم ومطاردته من سلطات أنه لا يخضع لقوانين المنطق ولهذا يصفه الأديب الأوريجوياني
تطلبه كي تحاكمه ،أن يقوم بعمل الإنساني المتعارف عليها ،وهكذا
عسكري جبار استغرق مائة يوم، نرى انتصاراته الرائعة لا تقوم خوسيه أنريكي رودو ،وهو من
جعله يحمل فيما بعد لقب «محرر على ذلك التقدير الواعي للأمور، أوائل من كتبوا عن بوليفار،
القارة» حين هبط من غرناطة وإنما كان يكفيه فيها الإحساس
الجديدة (كولومبيا) إلى قصر المفاجئ الذي يشبه ومضة الوحي بقوله« :كان عظي ًما في تفكيره،
الحاكم الإسباني في كراكاس عظي ًما في عمله ،عظي ًما في مجده،
(عاصمة فنزويلا)( .)21وربما هذا في النفوس المؤمنة ،ثم التنفيذ
الخيال الواسع الذي خلفه بوليفار السريع الذي لا يتوقف أمام عظي ًما في محنته ،عظي ًما حتى
خلفه هو الذي جعل رج ًل يأتي دواعي الحذر والتلبث .أما في في إضفاء ثوب من الجلال على
بعده بأكثر من قرن ونصف ،وهو الهزيمة فنحن نراه وقد تزايدت ذلك الجانب المظلم الذي لا تخلو
تشي جيفارا ،يحلم بأن يتمكن شخصيته ضخامة وعظمة كما من مثله نفوس العظماء ،كان في
مع حفنة من الرجال من تخليص لم نر في أي بطل آخر من أبطال النهاية عظي ًما في تحمله في قوة
أمريكا اللاتينية من يد الإمبريالية التاريخ .وكلما زادت فداحة وعزم تلك الضريبة التي قدر على
الانكسار وشدته ولد ذلك في عباقرة الرجال أن يدفعوها كفارة
الأمريكية. روحه قوة جديدة قادرة على
لقد كان بوليفار مبد ًعا في طرقه مواجهة المحنة والصمود لها»(.)20 عن عظمتهم ،حين تخلى عنه
الحربية ،ولم يكن هذا ممكنًا إلا إن ما كان يدفع بوليفار إلى أن الجميع ،وتركوه يموت وحي ًدا في
مواجهة مصيره المكتوب»(.)19
إن خيال بوليفار جعله يوقن بأن
موعد الثورة في أمريكا اللاتينية
حان ،ولذا تخلى عن حياته المرفهة
الرخية ،وراح يقلق على قدر حلمه
الكبير .وقد عرف بوليفار كيف
يستكشف أعماق روحه ،التي
امتزجت فيها البطولة بالإحساس
الفني التلقائي ،وهكذا «بدا منذ
اليوم الأول الذي عاهد فيه نفسه
على الكفاح فوق جبل أفنتينو،
كأنه نبي صاعد إلى لقاء وحي
ربه ..كانت روحه من طراز تلك
الأرواح التي تكمن في قراراتها
طريقة غريبة غامضة للتفكير
والعمل تخرج عن دائرة الوعي
البشري .هو من نوع أولئك
الرجال الذين لا يصدر سلوكهم
عن تقدير محكم متزن للأمور،
وإنما عن تلك القوة الطاغية