Page 146 - merit
P. 146

‫العبودية لا يمكن أن يقدر‬                             ‫العـدد ‪44‬‬                        ‫‪144‬‬
    ‫الحرية الصحيحة حق قدرها‪،‬‬
    ‫فهو يتملكه الهياج والرغبة في‬                                         ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬  ‫لرجل أوتي قد ًرا عاليًا من الخيال‪،‬‬
   ‫التخريب إذا وقعت الفتنة‪ ،‬فإذا‬                                                        ‫فهو «لم يحارب قط كما حارب‬
  ‫ُفرض عليه إرهاب السلطة فإنه‬        ‫سيقع تحت وطأة نظام مستبد‬                          ‫القادة العسكريون الأوروبيون‪،‬‬
 ‫يخضع ويستكين»‪« .‬إذا لم يتوفر‬                              ‫غاشم‪.‬‬
‫الاستقرار لأي مبدأ سياسي فإنه‬                                                        ‫وهو لم يستلهم من أبطال التاريخ‬
   ‫لا بد أن ينتهي إلى الفساد‪ ،‬ولا‬       ‫وفي السياسة كما في الحرب‬                          ‫قبله شيئًا إلا بعض العناصر‬
‫يلبث أن ينهار من أساسه»‪« .‬الذي‬      ‫انطلق خياله في اتجاهين‪ :‬تمكين‬                         ‫المتفرقة المتناثرة في التجارب‬
‫يريد أن يلتزم الحق في الحكم على‬
 ‫الثورات وعلى الرجال المضطلعين‬           ‫الشعب من القرار‪ ،‬ووحدة‬                      ‫الإنسانية السابقة‪ ،‬دون أن يضع‬
                                   ‫الشعوب الناطقة بالإسبانية‪ .‬ففي‬                      ‫نصب عينيه تجربة بذاتها يتخذ‬
      ‫بها فإن عليه أن يراقبها من‬
 ‫قريب‪ ،‬ثم يحكم عليها من بعيد»‪.‬‬        ‫الأولى اقترح «سلطة انتخابية»‬                        ‫منها نموذ ًجا له‪ ،‬وهو بعد لم‬
 ‫ولعل ما قاله بوليفار وهو يضع‬          ‫تقوم على قيام جمهور الناس‬                        ‫يخلف لنا صورة تشبه أ ًّيا من‬
                                       ‫بانتخاب عدد من بينهم تصل‬                         ‫صور الأبطال السابقين‪ ..‬وقد‬
       ‫نفسه في مقارنة مع زعماء‬        ‫نسبته إلى عشرة في المائة‪ ،‬على‬                     ‫كان يستخدم أساليب عسكرية‬
‫تاريخيين ما يشي بأن خياله كان‬        ‫أن يضطلع هؤلاء بمهمة اختيار‬                       ‫لا تقوم على علم بفنون الحرب‪،‬‬
                                                                                       ‫وإنما على الإلهام الغريزي الذي‬
    ‫ممتلئًا بحلم عظيم له ولبلاده‪،‬‬       ‫موظفي أجهزة الدولة‪ ،‬وبذا‬                       ‫كثي ًرا ما يكون أقدر على الحركة‬
    ‫فها هو يقول‪« :‬لست نابليون‪،‬‬       ‫تبقى السلطة التنفيذية خاضعة‬                       ‫من التخطيط العلمي المنظم»(‪.)22‬‬
‫ولا أود أن أكونه‪ ،‬ولست أريد أن‬      ‫لسلطة الشعب‪ .‬وفي الثانية كانت‬                        ‫وكان بوليفار يملك قدرة على‬
   ‫أقلد يوليوس قيصر‪ ،‬وأولى بي‬         ‫الظروف السياسية‪ ،‬والعقبات‬                      ‫النبوءة‪ ،‬وهو ما يدل عليه الخطاب‬
    ‫ألا أسعى إلى تقليد أيتوربيدي‬   ‫الجغرافية‪ ،‬ومصالح المتحكمين في‬                    ‫الذي ألقاه في جامايكا عام ‪،1815‬‬
 ‫(هو طاغية أعلن نفسه إمبراطو ًرا‬     ‫هذه الشعوب‪ ،‬تمثل عائ ًقا كبي ًرا‬                    ‫بينما كان الغموض والشكوك‬
                                     ‫حال دون تحقيق الوحدة‪ ،‬لكنها‬                       ‫تلف ثورة التحرير التي أطلقها‪.‬‬
     ‫للمكسيك بعد استقلالها عن‬                                                        ‫ففي هذه الرسالة تنبأ بمصير كل‬
‫إسبانيا) ولست أكتمك أنني أعتبر‬         ‫ظلت طيلة الوقت حل ًما يراود‬                   ‫شعب من شعوب أمريكا اللاتينية‬
                                   ‫كثيرين‪ ،‬يتتابعون عبر السنين إلى‬
     ‫هذه الأمثلة أقل مما يستحقه‬                                                           ‫الناطقة بالإسبانية‪ ،‬فرأى أن‬
                ‫اسمي من مجد»‬                            ‫وقتنا هذا‪.‬‬                    ‫شعب شيلي سينعم بحياة هادئة‬
                                   ‫ولبوليفار عبارات تضج بالحكمة‬                         ‫مستقرة‪ ،‬وأن شعب الأرجنتين‬

                                        ‫والخيال في آن‪ ،‬هي خلاصة‬
                                        ‫تجربته الحربية والسياسية‬
                                       ‫وبراعته الأدبية‪ ،‬من قبيل(‪:)23‬‬

                                            ‫«الذي تأصلت فيه روح‬

                                                                    ‫الهوامش‪:‬‬

            ‫‪ -1‬كريستوفر كوكر‪« ،‬الحرب في عصر المخاطر»‪( ،‬أبو ظبي‪ :‬مركز الإمارات للدراسات والبحوث‬
                                                                     ‫الاستراتيجية‪ ،)2011 ،‬ص‪.226 :‬‬
                                                                       ‫‪ -2‬حسن حنفي‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪ -3‬فرنان شنيدر‪« ،‬تاريخ الفنون العسكرية»‪ ،‬ترجمة‪ :‬فريد أنطونيوس‪( ،‬بيروت‪ :‬منشورات عويدات) الطبعة‬
                                                                            ‫الثانية‪ ،1982 ،‬ص‪ 5 :‬و‪.6‬‬

                    ‫‪ -4‬سون تسي‪« ،‬فن الحرب»‪ ،‬ترجمة‪ :‬ربيع مفتاخ‪( ،‬القاهرة‪ :‬دار أخبار اليوم) ‪.2014‬‬
‫‪ -5‬بريان بوند‪« ،‬الفكر العسكري عند ليدل هارت»‪ ،‬ترجمة‪ :‬سمير كرم‪( ،‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات‬

                                                                             ‫والنشر‪ ،)1979 ،‬ص‪.25‬‬
  ‫‪ -6‬د‪.‬محمد سعدي‪« ،‬مستقبل العلاقات الدولية من صراع الحضارات إلى أنسنة الحضارة وثقافة السلام»‪،‬‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151