Page 101 - m
P. 101
نون النسوة 9 9 الرواية .إلا أن جميع شخصيات الرواية تحاول أن
تتخطي هذه الخسارة بخلق وطن بديل ،فكما يقول
الفكرية والشعورية والثقافية المركزية الصلدة كمال المصري «نحن نخلق في الغربة عائلة موزاية»
كفكرة الشرق الروحاني في مقابل الغرب المادي ،أو ص ،15أو بملء هذا الفراغ أو الفقد سواء بالترقي
فكرة الشرف الإنساني المحصور في بقعة محددة الوظيفي لدي الدكتور كمال المصري ،أو تكوين
من جسد المرأة أو الرجل في مقابل الروح والعقل علاقات جنسية وعاطفية خارج مؤسسة الزواج
والثقافة ،أو فكرة الوطن الثابت المستقر في مواجهة
المستقرة .إلا أن معظم الشخصيات في الرواية
أوطان المهجر ،حيث تتفتت هنا فكرة الوطن أو تحاول أن تتآلف مع هويتها العابرة الجديدة ،مثل
الذات أو الثقافة بالمعنى التقليدي الكلاسيكي لتنبت دانيا سليمان التي تعرف نفسها على أنها كندية من
مونتريال أمريكية من ديربورن وسورية من حلب
بد ًل منها أشكال معرفية وتخييلية بديلة تبتكر ولدت في مونتريال وسافرت كثي ًرا ،أو تلفظ هذه
صيغة أخرى للوجود الإنساني ،ترى إلى الوطن الهوية مثل كريم الذي لم يعد يرغب في الرجوع إلى
بوصفه عبو ًرا ،وللذات بوصفها تعد ًدا ،وللثقافة
بوصفها احتما ًل واستشرا ًفا ،وللزمان بوصفه مصر.
تقط ًعا وانتشا ًرا وسف ًرا ،وللمكان بوصفه انتقا ًل
وتصد ًعا وتجاو ًزا .وللعالم الآخر الأوروبي بوصفه الرؤية السردية والخطاب الروائي
شري ًكا ،وللعالم العربي بوصفه عض ًوا حيًّا لصي ًقا صيغة أخرى للوجود
بجسد العالم كله .ومن ثمة فالرواية لا تنفي فكرة
التجذر التاريخي بأرض الوطن وإلغاء الشعور لقد طرحت الرواية فكرة جديدة مدهشة وهي
بالتمايز الثقافي والحضاري بقدر ما ترسي هوية (هوية العابر) ،من حيث أنها هوية متعددة
إنسانية مهجرية مغايرة ،رؤية جديدة مبتكرة لا
تقوم على أحادية زمنية معرفية متصلة بل تقوم التصورات والقناعات والثقافات وليست تكوينًا
على تصدعية انفتاحية مرنة للزمن ،بحيث يفقد فيها بيولوجيًّا فطر ًّيا مسب ًقا ومطل ًقا ،بل الهوية العابرة
الوجود اتصاله الراسخ لتسكنه على الدوام هواجس
الانفصال والتقطع والتصدع ،لا بوصفها سمات سمة وجودية حداثية ثقافية اجتماعية متحولة
عرضية طارئة في الوجود بل لتصبح صيغة أصيلة على الدوام لا تتمركز فيها الذات حول ذاتها بل
من صميم الوجود الإنساني تشمل زمانه ومكانه تتخذ أشكا ًل عديدة من العبور من خلال تجربة
الشخصيات الروائية المتجددة ومواقفهم ورؤيتهم
وعقله وروحه ورؤيته للعالم. للحياة .وقد قدمت الرواية هوية العابر بوصفها
ومن ثمة طرحت الرواية فكرة العبور السردي رؤية جديدة لا ترى الذات الإنسانية بوصفها ذا ًتا
الموازي التشكيلي لفكرة الشتات المهجري ،وهي أحادية تسكننا إلى الأبد ،بل مجمع ذوات متحركة
فكرة بعيدة كل البعد عن فكرة القسمة الثنائية
التقليدية القديمة التي طالما ترسخت فينا وعضدتها متحولة ترى الزمان حركة لاسكو ًنا ،نسيا ًنا
الأزواج الفكرية الميتافيزيقية التي أقمناها بين عالم متجد ًدا ،لا ذاكرة قا َّرة ،تعد ًدا لا وحدة ،اختلا ًفا لا
الشرق وعالم الغرب ،الرجل والمرأة ،الفكر والواقع،
وهنا تصير العلاقة حدية خارجية واضحة بين انسجا ًما ،مفارقة لا تطاب ًقا ،تكرا ًرا لا هوية.
وقد هيمنت سرديات العبور على البناء الفني
جهتين خارجيتين وطرفين يعالجان الاتصال للرواية بوصفها شك ًل جماليًّا ومعرفيًّا دا ًّل لرؤية
والانفصال بصورة واضحة ،لكن الرواية هدمت عالم الشتات الجديد من خلال معاناة جميع
هذا التصور لتقدم صيغة الانفصال مكو ًنا جذر ًّيا شخصيات الرواية التي اجتاحتها هوية العابر
أصي ًل داخل صيغة الاتصال نفسه ،وهنا يتحول المتأرجح والمتحول دو ًما بين الجذور والمنافي
التصدع والتحول والانفصال ليكون هوية عيش في بلاد المهجر والشتات والعيش بين الثقافات
والقوميات والجنسيات العابرة ،وهوية العابر كما
العابر اليومية ،حيث ينسلخ كل يوم وينشطر جسدتها الرواية قائمة على تفتيت فكرة الثنائيات
ويتصدع عن ذاته ليكون ذا ًتا جديدة .ومن ثمة