Page 97 - m
P. 97

‫نون النسوة ‪9 5‬‬                                       ‫باسم الفضيلة‪ ،‬باسم الوطن‪ ،‬باسم الدين‪ ،‬لا يرفع‬
                                                     ‫أحد إصب ًعا لدرئها عنا‪ ..‬جسدي رخو كقنديل بحر‬
  ‫التلاصق الجسدي الحميم بين جسد الشخصيات‬             ‫لكنه متيقظ يشحن الطاقة ويعيد تركيزها على هيئة‬
                                  ‫وجسد الحياة‪.‬‬       ‫أشرطة مصورة بفضلها يمكنني أن أواجه العالم‪..‬‬
                                                       ‫وحي ًدا أعزل إلا من تاريخي الشخصي وخيالاتي‬
       ‫البنية المكانية والزمانية‬
  ‫ارتجاجات المكان وتقطعات الزمان‬                       ‫المرتبكة وحكاياتي التي لا رأس لها ولا ذيل»(‪.)14‬‬
                                                        ‫وتقول دانيا سليمان زوجة بسام الحايك «لكني‬
    ‫نص الرواية جديد بمادته وموضوعه وأسلوبه‬           ‫لست ملا ًكا‪ ،‬لا أستطيع أن أدعي هذا‪ ..‬لقد كافحت‬
 ‫ومقاصده‪ ،‬وهو قائم على فكرة العبور مقابل فكرة‬       ‫لأكون امرأة قوية مستقلة وتنازلت أحيا ًنا عن رجال‬
 ‫الثبات‪ ،‬وهي فكرة توقظ العقل قبل الروح وتزعزع‬          ‫أحبوني بلا مبرر واضح‪ ..‬لست أدرى؟ آثرت أن‬
                                                    ‫يكون لي علاقة متقطعة مع رجل أحبه على أن أتزوج‬
   ‫كثي ًرا من القيم السردية والإنسانية السائدة بما‬       ‫بشكل تقليدي على الطريقة العربية»(‪ ،)15‬ويقول‬
   ‫يخلخل الوعي الجمالي والدلالي للخطاب الروائي‬          ‫الدكتور كمال المصري عن علاقته بزوجته ناهد‬
‫المعاصر‪ ،‬ويؤسس وعيًا إنسانيًّا جدي ًدا يسمح بخلق‬    ‫رغم علمها بعلاقته الجنسية مع إيلشيا عشيقته من‬
    ‫صيغة أسلوبية ووجودية جديدة للكائن واللغة‪.‬‬       ‫أوروبا الشرقية «في ليلة عيد ميلادي الستين أردت‬
   ‫فهي رواية فكرية تأملية تفكيكية بامتياز‪ .‬ووفق‬      ‫أن أعترف لناهد بما حصل وتمنيت أن تقبلني قبلة‬
  ‫هذه الرؤية تتخذ أشكال المكان في الرواية دلالات‬     ‫ثانية على شفتي‪ ،‬وتغفر لي نزقي وأغفر لها إهمالها‬
 ‫العبور والارتحال والارتجاج وعدم المكث والتلبث‪،‬‬      ‫لي‪ ،‬أردت أن أتطهر برغم شعوري بأن الحب ليس‬
 ‫فعلى طوال البناء السردي تكثر اللقاءات والأحداث‬     ‫إث ًما‪ ،‬لكني لم أفعل شيئًا من هذا وهي لم تسأل»(‪.)16‬‬
                                                        ‫وفي كل المشاهد السردية السابقة تصبح حرية‬
        ‫والمواقف في القطارات والمطارات ومحطات‬         ‫الجسد هي الموازي الرمزي لحرية الروح وتوازن‬
  ‫الأتوبيس والأندية‪ ،‬وتتكرر مشاهد اللقاء والوداع‬         ‫الذات في بلاد الشتات بعي ًدا عن أوطان تصادر‬
   ‫والتأمل من خلال أمكنة عامة عابرة مفتوحة تتم‬      ‫أدني حقوق الجسد الإنساني باسم الدين والأخلاق‬
                                                    ‫التجريدية الصارمة العنيفة‪ .‬إن كل الصور السردية‬
          ‫من خلالها حياة الشخصيات ومواقفهم‪.‬‬           ‫الجسدية في الرواية كانت تفكك الصورة التقليدية‬
‫تبدأ الرواية بحديث بين كمال المصري وكريم ثابت‬          ‫التجريدية لعلاقة الجسد بالأخلاق في المجتمعات‬
‫في القطار في أثناء سفرهما بين وندسور وتورونتو‪،‬‬       ‫التقليدية القمعية التي تزعم الفضيلة زي ًفا بحرمان‬
‫وتنتهي الرواية في محطة الباص عندما يذهب بسام‬
                                                           ‫الجسد من حقوقه الطبيعية بزعم الانضباط‬
  ‫حايك لاصطحاب زوجته داینا وأصدقائها‪ .‬وعلي‬            ‫الأخلاقي‪ ،‬لتقترب أكثر من سؤال الجسد بوصفه‬
  ‫طوال افتتاحية كل فصل من فصول الرواية نجد‬             ‫جسد الحياة وروحها‪ ،‬لتصير الأخلاق نابعة من‬
   ‫هذه الأماكن العابرة السريعة‪ ،‬أو الأماكن الظلية‬      ‫تراب الأرض بعي ًدا عن أوهام المثاليات الأخلاقية‬
  ‫الشبحية المعتمة‪ ،‬ففي الفصل الخاص بكريم ثابت‬       ‫القمعية‪ ،‬وميتافيزيقا التعالي على الحاجات الإنسانية‬
‫يبدأ بهذا الوصف المكانى «كان البهو معت ًما على غير‬     ‫الطبيعية التي تدعيها أوهام أخلاق الوطن البعيد‪،‬‬
‫العادة‪ ،‬يسقط فوق الشراعة الزجاجية الممتدة بطول‬
                                                        ‫والتي تم تفكيكها في أوطان الشتات‪ ،‬بما يجعل‬
    ‫الباب نور شحيح لا يكفي لكي أتبين محتويات‬              ‫الجسد يعبر هوة الإحساس بالذنب وضحالة‬
    ‫الحقيبة الصغيرة‪ ،‬أفتشها بحثًا عن المفاتيح‪ ،‬ثم‬
‫أفتش جيوبي مرة ثانية ويتأكد حدسي‪ ،‬اختلط عليَّ‬               ‫الإحساس بالخيانة التي تعيقه عن ممارسة‬
    ‫الأمر وأحضرت مفاتيح شقة وندسور بد ًل من‬           ‫حياته وحقوقه الطبيعية التي لا يعتذر عنها‪ ،‬وهو‬
 ‫مفاتيح بيت تورونتو‪ ،‬أقف بالباب مترددا»(‪ ،)17‬وفي‬       ‫ماعاشته معظم شخصيات الرواية التي لم تعتذر‬
   ‫نهاية الفصل تصور الساردة المكان الظلي العابر‬     ‫عن اجتراحها حقها العاطفي والجنسي‪ ،‬والدعوة إلى‬
 ‫«كان القطار قد قطع نصف المسافة لوندسور حين‬
‫عادت مونتريال وذكريات مونتريال تخايلني‪ ،‬تطفو‬
     ‫تارة وتتوارى تارة أخرى في متاهات الذاكرة‪،‬‬
   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102