Page 94 - m
P. 94
العـدد 59 92
نوفمبر ٢٠٢3
التحرك والتبدل ،فتتغير في حرية محسوبة دون ثم نفترق بلا وعود وبلا رغبة في اللقاء»(.)5
انفلات ،وتتحرر في وعي مستقل دون مصادرة ولعلنا نلحظ على طوال خط السير السردي هذه
وإقصاء .ومن ثمة لا تحمل هوية العابر المزدوج الدوائر السردية المتداخلة الجامعة لطبيعة الحب
هنا أي دلالة تسفيهية استلابية بقدر ما تعني قدرة
وجودية وخبرة إنسانية بالعالم من لون جديد المتكررة لدي جميع أنماط النساء في الرواية،
تقترح صيغة أخرى للتعايش ،فمن المعروف في علاقات حب عابرة تمارس في الغياب بوصفه
أدبيات ما بعد الكولونيالية وأدبيات فلسفات ما حضو ًرا وفي الحضور بوصفه غيا ًبا ،الشك المتبادل
بعد الحداثة أن العيش العابر بين أكثر من سياق في طبيعة العالم اللايقينية المتوترة ،العلاقات
حضاري ولغوي وثقافي في وقت واحد لا يعني الدوامية السائلة غير الجذرية التي تتخذ طبيعة
ازدوا ًجا وتلفي ًقا سلبيًّا بل هي صيغة حضارية الزمان المتقطعة وطبيعة المكان العابرة ،حيث المكان
إنسانية من نوع جديد يتحقق فيها التعايش المرن غير مسافر بل هو مكان متحرك متنقل على الدوام،
والتوطن التعددي المفتوح ،ولعلنا نرى مصداق ذلك سواء كان في مطار أو مقهي أو نا ٍد أو طائرة،
في معايشة جميع شخصيات الرواية هذه الصيغة حيث المكان عابر وسائل يتخلي دائ ًما عن ثباته
الوجودية التعددية المتشابهة ،يقول الدكتور كريم وامتلائه وكثافته المادية الراسخة ليكون أكثر حرية
ثابت أستاذ الإعلام بصدد وصف وضعية حياته وتحر ًرا وانطلا ًقا وتخليًا لكنه لا يتلاشي تما ًما.
بل عبور أخيلة وتحولات أفكار وتقلبات مصائر
«لا أستطيع أن أتخلي عن حبي لها ،ولا أرغب تمارسه كائنات متعددة الهويات والفكر والخيال،
في التنازل عن انجذابي الطبيعي لنساء أخريات تلهث خلف لذائذ الحياة المستحيلة وبوارق الأمل
في العمل» ،ويقول الدكتور كمال المصري أستاذ الخلاب ،وكأن كل هذه الممارسات الإنسانية هي
الدراسات الشرقية «ما يقوله الغريب في الغربة، البديل الرمزي السردي عن الغياب والفقد والموت.
نرى هذا واض ًحا جليًّا لدي كل الأنماط النسائية
نصنع لأنفسنا عائلات موازية من الأصدقاء في الرواية :ناهد زوجة كمال المصري ،ولينا العقاد
والمقربين وتتراجع العائلة الكبيرة في خلفية المشهد، حبيبته ،ودانيا سليمان زوجة بسام الحايك،
ونورهان زوجة كريم ثابت وحبيبة بسام الحايك،
حدث لي هذا حين تركت بيت حدائق القبة وجئت التي تقول عن زوجها كريم «تزوجت رج ًل غائبًا
إلى مونتريال ،ثم حين هاجرت من داخل الهجرة وصرت كثيرة الغياب أنا أي ًضا بحكم عملي في
من مونتريال إلى تورنتو ،ثم منها إلى وندسور، الوزارة وإصراري على تحقيق طموحاتي في الترقي
وفي كل مرة تتغير علاقتي بفكرة وقيمة الأسرة.. والاستقرار المادي ،أردت التوفيق بين الحيوات
نهرب من الشراكة الأبدية إلى الأحضان المؤقتة»(.)7 المختلفة التي كان بسام وكريم يحرصان عليها،
ويقول في فقرة أخرى وهو يحكي عن تجربة حبه الأسرة والعمل والأصدقاء المشتركين ،نجحت في
وزواجه عن بعد من زوجته ناهد «خفتت مشاعر بلوغ الأهداف العملية وفشلت في الشغف بكريم»(.)6
الوحدة بمرور الوقت وبانتظام دورة الحياة في وبسبب ذلك كله اتجهت الرواية بكل إمكانياتها
شكلها الجديد ،وظهرت نساء أخريات في الأفق،
صداقات عمل ،معاكسات عابرة ،تأتي وتروح بلا البنائية والدلالية العابرة للحدود والثقافات
ضجيج .أعود لناهد مصحو ًبا بمشاعر الذنب أحيا ًنا والأوطان والأعراق والجنسيات إلى تجسيد الوضع
وتستقبلني بلهفة مفتعلة أحيا ًنا أخرى ،كبر الولدان
وانشغل كلانا بالعمل وأسباب النجاح»( ،)8وتصف الجديد للهوية الإنسانية العابرة في مواجهة غلظة
العالم وتكتله وغموضه وعنفه معبرة عن مفارقة
الساردة شخصية نورهان عبد الحميد بقولها (الازدواج) الذي يعني سرعة التحول والتأرجح
«تنظر حولها فلا تجد ملا ًذا من فوضي هويتها هشاشة ومتانة ،والتنوع تفر ًدا واجتما ًعا ،والتذبذب
الثنائية فيما يقال ،واللجوء للعلوم الطبيعية لتفسير مكانيًّا وزمانيًّا ،والانقلاب ذاتيًّا وموضوعيًّا بما
العالم ،ترغب في الوقوف على أرضية أكثر ثبا ًتا
وأقل تحز ًبا»( ،)9وتقول نورهان عبد الحميد لزوجها يجعل كينونة الذات في وضع مفتوح مرن دائم