Page 99 - m
P. 99
نون النسوة 9 7 الذات الواحدة مجموعة ذوات ،والوطن الواحد عدة
أوطان ،والحياة الواحدة عدة حيوات،على أساس
مجرد ذريعة للولوج إلى أعماق الشخصيات ،سواء
في حاضرها المؤلم أو رجوعها إلى ماضي الذكريات أننا جمي ًعا نعيش حالة اللامكان واللازمان ،فنحن
نشعر بالمواطنة ولكن تعترينا مشاعر التمرد
كبديل لإخفاقات الحاضر .تقول دانيا سليمان
زوجة بسام الحايك عن المطارات إنها تتشابه كلها عليها ،وننتمي لوطن ونشعر في نفس الوقت أننا
كما تتشابه حکایات البشر أي ًضا وتختلف «كل غير منتمين له ،ونتوطن وفي نفس الوقت يملؤنا
المطارات تتشابه وحكايات البشر أي ًضا»(.)24 الإحساس أننا بلا وطن نلوذ إليه أو نتداري
إن جميع شخصيات الرواية :كمال المصري وكريم في كنفه لأنه صار مخي ًفا وطار ًدا إلى غير ذلك
ثابت ونورهان عبد الحميد ودانيا سليمان وبسام من المخاوف والتوجسات التي فرضها الشتات
حايك يتشابهون في سعيهم الدؤوب للعثور على من على شخصيات الرواية ،جاع ًل من مشكلاتهم
وتحدياتهم وآمالهم وخيباتهم لو ًنا واح ًدا وإن كانت
يقولون له ويقول لهم أحبك داخل أمكنة لا مكان
فيها ،وأزمنة لا زمان لها .ورغم كل ذلك يبقي ألوانا متعددة.
الحب هو الشيء الوحيد الغريب المرتجى وسط هوية العابر هنا ليست رهنًا بقضايا الصراع
بين الشرق والغرب ،أو الوطن والمنفي ،الانتماء
دكنة هذه الحياة الظلية العابرة ،وكأن كل المح َّطات واللاانتماء ،وإنما هي أوسع من ذلك بكثير كونها
وقاعات الانتظار ومقاعد الطائرات والقطارات هوية عابرة متعد الوجوه والتجليات ،تجمع بين
إحساس الفرد بنفسه داخليًّا وبين موقفه منها
والسيارات والمقاهي والشوارع مح ِّفزات للحركة خارجيًّا .ومن ثم تغدو هويته رهينة الداخل
والحياة ،للتذ ُّكر والعيش .رغم أن كل ما يحدث والخارج نفسيًّا واجتماعيًّا ،فيشترك مع ما حوله
ليس سوى روتين يومي صار يتك َّرر منذ سنوات، اشترا ًكا فيه نفي ووجود ،وهيمنة واتباع .وليس
واستسلمت له كل شخصيات الرواية كواقع يومي الفرد المعاصر سوى كيان منفي مع أنه حاضر،
طبيعي .كل حكايات الأشخاص ومواقفهم وآلامهم
ومهاجر وغير مهاجر ،مستقطب ومطرود،
ونجاحاتهم وإحباطاتهم متشابهة وتستطيع مستقر ولاجئ ،منت ٍم وغير منت ٍم ،راسخ ونازح،
شكل حياة أي شخصية في الرواية أن تنوب عن متأسلم ومتأورب أو متأمرك .وغيرها كثير من
حيوات كل الشخوص الأخرى في المهجر ،يقول أشكال الازدواج التي تتفتت فيها الهوية السابقة
بسام الحايك «نسيت الحكاية ،والآن تذكرت بعض
لشخصيات الرواية متجاوزة المفهوم النمطي
تفاصيلها ،الدكتور كمال المصري ،ربما تجاوز التقليدي للهوية لتصبح هوية عابرة للحدود،
الستين مثلي ،ربما كنا شبيهين دون أن ندري، متعددة في مجالاتها ومتبدلة في احتمالاتها .فيزول
ذلك الشعور بالانفراد حين تضيق الأمكنة متخلية
غريبة تلك الأقدار التي تجمعني بكريم زوج عن سماتها الرحبة واللامة ،بعد أن شاعت العولمة
نورهان وكمال حبيب لينا في طابور واحد ،سرب والإلكترونيات ،فتولدت رؤى وتصورات جديدة
من أسراب قنديل البحر ،جميعنا ينتظر ويتحرك لا تخلو من تضاد واصطراع وتوافق وتنازع
ببطء ،وماذا ننتظر غير الباص ،سيستقلانه باتجاه واستثمار واستئثار وتعددية كالاندماج الديمغرافي
تورونتو وسنعود نحن باتجاه ديربورن ،ولكل منا
بيت وأبناء وحكاية يقصها لنفسه ..سأكتب عن هذا والتعايش الاجتماعي والتنوع الثقافي.
في دفتري ،عند صدمة لحظات الوداع المتجددة ،تلك فعبر كل المشاهد السردية المكانية في الرواية يتخلى
التي نعيشها دون أن ندري أننا نفارق من نحب المكان عن هويته واستقراره ويستبدل الشخصيات
بشكل مكرر ،كمن يحيا سلسلة من موت مجزأ لا علاقاتهم بعلاقات مكانية عابرة متعددة ،فالأماكن
سبيل للتراجع عن خوضه»(.)25 هنا مشبعة بمنولوجات نفسية لا تنتهي ،وكأن
والحقيقة فإن هذا المشهد السردي يؤكد أن ثمة فراغات الأمكنة وما يتخللها من ارتجاجات الأزمنة
فه ًما جدي ًدا للإنسان العابر المغترب بوصفه
مجموعة تصورات ومشاعر وأحلام تجعله ذوا ًتا لا
ذا ًتا واحدة ،ذوات متعددة واعية يقظة متحكمة في