Page 98 - m
P. 98
العـدد 59 96
نوفمبر ٢٠٢3
صفة الأماكن ،بل من الممكن أن نطلق عليه المكان شرعت في قراءة كتاب استعدا ًدا للنوم وأنا أسأل
اللامكاني العابر ،وغالبًا مايتجلي الزمان داخله نفسى :هل سافرت مع الدكتور كمال وهو لا
يراني ،أم أنه سافر معي وأنا التي لا أراه»(.)18
فار ًغا موح ًشا بوصفه تقط ًعا وراتجا ًجا ،فهو أي ًضا
الزمان اللازماني العابر ،فهي كلها أمكنة وأزمنة وفي هذين المشهدين نحس المكان يتخلي عن مكانيته
مؤقتة عابرة ليست لها معالم محددة أو تواريخ المادية الموضوعية المحددة في الخارج لينبع من
واضحة ،وغالبًا ما تنتهي علاقات الشخصيات بها أعماق الذاكرة وتنقلاتها ما بين التذكر والنسيان،
بانتهاء المهمة التي تتم فيها. الحضور والغياب ،لتأخذ أشكال الأمكنة صورة
تحولات أزمنة الذات وهمومها وقلاقلها ،فلا
ولعل هذه السمة العابرة للأمكنة والأزمنة بما ثبات ولااستقرار بل عبور وارتحال دائمين ،نجد
يفقدها ثباتها واستقراها قد اتخذت منها الرواية ذلك أي ًضا في مفتتح الفصل الثالث الخاص بحياة
نورهان عبد الحميد «الخميس الساعة السابعة
مدخ ًل لخلق هوية عابرة بديلة ،حيث يتخلى
الزمان عن زمنيته المحددة ليكون رحي ًل وارتحا ًل صباحا مطار (لستر بيرسون) حركة المطار هادئة،
متص ًل ،والمكان عن مكانيته المستقرة ليكون عبو ًرا يتناثر عدد من المسافرين بين طاولات المقاهي
المنتشرة في الساحات والممرات المفضية لبوابة
متواص ًل ،ولعل هذا قد فتح آفا ًقا وطنية أخرى الإقلاع»( ،)19فمنذ البداية تتحرك حياة الساردة
أمام الشخصيات بدي ًل عن الشتات المهجري الذي ما بين بوابة دخول بوابة إقلاع في المطار ،وفي
تعانيه فغالبًا ما تكون الهوية متعددة الهويات أو نهاية الفصل تقول الساردة على لسان نورهان
العابرة بين الهويات والثقافات هي الوطن البديل
العابر للوطن المستلب الذي تركه المغترب هناك في عبد الحميد أي ًضا« :توقفت الطائرة على الممر ،وجاء
صوت الطيار حا ًّدا رفي ًعا في الميكروفون يطلب من
وطنه البعيد ،أو البيت اللامستقر في بلاد المهجر المسافرين الالتزام بالمقاعد لحين وصول الطائرة
التي يعيش فيها ،فلا بد للإنسان وسط هذا العالم لبوابة الهبوط ،أداوم على التهوية والتنفس بعمق،
العنيف المعقد أن يبتكر صيغة أخرى للوجود أخشى أن يزداد الأمر سو ًءا في السيارة التي
يستبدل بها حياته الطبيعية الحقيقية السابقة ستقلني لمبني الوزارة»( ،)20وفي الفصل الثالث
بحياة حقيقية أخرى هي أكثر ثراء وصعوبة من الخاص بدانيا سليمان زوجة بسام الحايك تقول
وجهة نظرة ،لأنها تتخذ طبيعة عابرة مفتوحة تتم الساردة على لسانها في المطار «أتخيل المكان وكأنه
فيها حركة الحياة بصورة وقتية متجددة .تقول مطار واحد كوني ،جدران هائلة من الزجاج،
الساردة على لسان بسام الحايك في الفصل الأخير نوافذ لاسبيل لفتحها ،أسقف معدنية وأعمدة
من الرواية« :ماذا نعرف عن بعضنا البعض ،نحن خرسانية ،وفي الخارج حبات المطر وغيوم تظهر
الهاربين أو النازحين ..أحب سوريا عن بعد.. من بينها ذيول الطائرات وأجنحتها»( ،)21وفي نهاية
تقول لي الطبيبة النفسية التي عينتها وزارة الهجرة الفصل تقول «أغفو قلي ًل ،وعندما أفتح عيني أري
لمتابعة حالتي كلاجئ سياسى :من تقصد بكلمة ديترويت وهي تتماوج عبر نافذة الطائرة ،لم يمر
نحن؟ فأجيب نحن أبناء الوطن الواحد ،ثم تخنقني وقت طويل كما توهمت ،أغمضت عيني ربع ساعة
الغصة فأبكي وأكف عن الكلام .ثمانية وثلاثون فقط ،مر الزمن كما يحدث في السينما قف ًزا بين
عا ًما على الهجرة ،وما زلت أفتقد الناس والأماكن،
ناس وأماكن هناك ،ليس من ألتقي بهم في الشتات مشهدين»(.)22
وقد تشوهت أرواحهم مثلي ،من تأقلموا وصارت ففي كل هذه المشاهد يتجلي المكان في الرواية ليس
لهم عادات هجينة مثلي ،أفتقد روائح السوق
القديمة ،وأصوات الناس في الساحات ،ودعسة بوصفه مستق ًّرا وأمنًا راس ًخا بل بوصفه عبو ًرا
القدم على تراب شوارعنا»( ،)23إن مسألة أن تكون وارتحا ًل وقل ًقا ،تكثر المطارات والقطارات والمحطات
هوية الفرد متعددة متحولة في مختلف جوانبها
يعني أ َّن كينونتها مجلى كينونات أخر ،فتصبح والمقاهي في الرواية بوصفها أماكن عابرة تفتقد
المكانية الثابتة المستقرة ،أي هي أمكان تنتفي عنها