Page 93 - m
P. 93

‫نون النسوة ‪9 1‬‬                                           ‫خاصة‪ ،‬نراها منبثة على طول البناء الفني للرواية‪،‬‬
                                                        ‫من فكرة التقطع والتعدد والعبور والتدفق‪ ،‬فالعبور‬
  ‫كله‪ ،‬شخو ًصا وأزمن ًة وأمكن ًة وحوارا ٍت ودلالا ٍت‪،‬‬
‫حيث لا توجد للرواية حقيقة دلالية مركزية مهيمنة‬            ‫هو أس الحياة وروحها الغامض الحي فلا شيء‬
                                                              ‫يبقي على حاله أب ًدا‪ ،‬بل كل شيء في حال من‬
     ‫قادرة على الإحاطة والتفسير والتقييم للأشياء‬
‫والأحياء والوقائع‪ ،‬بل توجد الحقيقة دائ ًما بوصفها‬          ‫التحول والتنقل والتداخل‪ .‬وبهذه المثابة المعرفية‬
                                                          ‫والتخييلية سوف تحتل فكرة (هوية العابر) التي‬
     ‫خيا ًل واستعار ًة وحل ًما واحتما ًل ممكنًا‪ ،‬تكمن‬      ‫نطرحها هنا أهمية تأسيسية عبر البناء السردي‬
   ‫الحياة واللغة في هذا العمق السردي الاستعاري‬

      ‫العابر بين التقاطعات الظلية البينية للخطابات‬
       ‫والثقافات والأدبيات والقناعات والشخوص‬
   ‫والأحداث والأفكار والأزمنة والأمكنة‪ .‬نرى ذلك‬
 ‫مث ًل في وصف نورهان عبد الحميد لطبيعة حياتها‬
    ‫وعلاقتها بحبيبها بسام الحايك‪« :‬يعذبني غيابه‬
‫فيسارع بتأكيد حبه لي وهو مستمر في النأي عني‪،‬‬
‫يؤجل اتخاذ أي قرار بشأن علاقتنا ويقول إن الأمر‬
    ‫كله بيدي‪ ..‬ويمر الوقت ثقي ًل في دائرة الانتظار‬
      ‫المفرغة‪ ،‬دوامة من التوقعات وفشل متكرر في‬

                              ‫تحقيق الأماني»(‪.)4‬‬
   ‫دائ ًما ترى المرأة الرجل قريبًا في بعده‪ ،‬بعي ًدا في‬
     ‫قربه‪ .‬في صورة ظلية شبحية عابرة مضنية لا‬
 ‫تتلبث ولا تتملي‪ .‬ومن أجل ذلك اتخذ الزمان أي ًضا‬
   ‫شكل هوية‪ ،‬العابر فهو دائ ًما زمان هارب قصي‬
    ‫مدوخ لا يمكث ولا يتلبث لكنه يظل عاب ًرا‪ ،‬فهو‬

     ‫كما تقول نورهان عبد الحميد واصفة علاقتها‬
 ‫بحبيبها بسام «وقت مسروق بين وقتين» اللقاء‬

    ‫بعد النهاية‪ ،‬والنهاية قبل البداية‪ ،‬إنه الوعي‬
 ‫الظلي العابر المنقسم على نفسه من جهة وعلي‬

     ‫الحياة من جهة أخرى‪ ،‬وقد اتخذ وعي‬
   ‫العشق والحب عن بعد لدي المرأة نفس‬
   ‫صورة الحب العابر عند الرجل‪ ،‬تقول‬

     ‫نورهان عن عشيقها بسام الحايك‬
   ‫«راقبت أحاديثه معي وردود أفعاله‬
  ‫لقراراتي بعين مختلفة‪ ،‬راقبت نمط‬
‫حياته وحاولت تقليده حتى تساوينا‬
 ‫في طريقة التفكير وأشكال التمني‪،‬‬
‫نعم أمر غريب ما حدث‪ :‬بت أشبه‬
    ‫بسام‪ ،‬يحبني وينشغل عني‬
 ‫زمنًا‪ ،‬أفكر فيها وأختفي‪ ،‬أتمني‬
‫الشيء نفسه لكني أعتذر لضيق‬
‫الوقت‪ ،‬نكتفي بلقاء عابر في مقهي‬
 ‫وأفرح كأننا كنا م ًعا بالأمس فقط‪،‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98