Page 95 - m
P. 95

‫نون النسوة ‪9 3‬‬                                           ‫الدكتور كريم ثابت الذي تعلم بعلاقته العميقة‬
                                                       ‫المجنونة بعشيقته إليشيا الأوروبية «دعنا نصنع‬
   ‫فيشترك مع ما حوله اشترا ًكا فيه نفي ووجود‪،‬‬        ‫الحب‪ ،‬أتعجب كيف داومت على جذبي واستثارتي‬
  ‫وهيمنة واتباع‪ .‬وليس الفرد المعاصر سوي كيان‬        ‫برغم مرور سنوات على زواجنا» ص‪ .53‬ثم تصف‬
                                                       ‫حبها لزوجها بقولها «أحب كريم حبًّا لاعلاقة له‬
      ‫منفي مع أنه حاضر‪ ،‬ومهاجر وغير مهاجر‪،‬‬            ‫باللهفة‪ ،‬ولا باكتمال الآخر‪ ،‬ولا بمباهج وتحديات‬
    ‫مستقطب ومطرود‪ ،‬مستقر ولاجئ‪ ،‬منت ٍم وغير‬
‫منت ٍم‪ ،‬راسخ ونازح‪ ،‬متأسلم ومتأورب أو متأمرك‪.‬‬                                   ‫الحياة المشتركة»(‪.)10‬‬
 ‫وغيرها كثير من أشكال الازدواج التي بها تتقولب‬       ‫ثم تحكي الساردة على لسان زوجها الدكتور كريم‬
   ‫الهوية متجاوزة المفهوم النمطي للهوية بوصفها‬
                                                         ‫إجابة لسؤال سأله لزوجته نورهان عن سبب‬
      ‫أورا ًقا رسمية تثبت الشخصية إلى أن تصبح‬          ‫استمرار حبهما عن بعد فقالت «لأنه زواج ثابت‬
 ‫متعددة في مجالاتها ومتبدلة في احتمالاتها‪ .‬فيزول‬       ‫ومستقر‪ ،‬ولأنه يرضيني جنسيًّا‪ ،‬ولأنه يترك لي‬
 ‫ذلك الشعور بالانفراد حين تضيق الأمكنة متخلية‬
 ‫عن سماتها الرحبة واللامة‪ ،‬بعد أن شاعت العولمة‬                             ‫حرية تقرير مصيرى»(‪.)11‬‬
                                                     ‫ومن واقع كل هذا النصوص السردية نستطيع أن‬
   ‫والإلكترونيات‪ ،‬فتولدت رؤى وتصورات جديدة‬
     ‫لا تخلو من تضاد واصطراب وتوافق وتنازع‬              ‫نضع أيدينا على صيغة هوية العابر التي يصنع‬
                                                       ‫بها وجوده ويرى من خلالها ذاته وطبيعة العالم‬
‫واستثمار واستئثار وتعددية كالاندماج الديمغرافي‬       ‫من حوله‪ .‬إنها كائنات تحيا تجربة الحياة والزواج‬
         ‫والتعايش الاجتماعي والتنوع الثقافي»(‪.)12‬‬    ‫والحب عن بعد‪ ،‬تقع في الحب بسهولة وتهرب منه‬
                                                     ‫بسهولة أكبر‪ ،‬تعاني صو ًرا من الانفصال الروحي‬
             ‫بنية الجسد‬                             ‫والفكري والثقافي الممزوج ببعض الاتصال والتوافق‬
     ‫عبور الروح والثقافة واللغة‬                         ‫بدي ًل عن الإحباط والتلاشي‪ ،‬كائنات قادرة على‬
                                                        ‫أن تصنع معادلة بديلة للوجود صنعت بإحكام‬
       ‫لقد تعددت الزوايا التي تمت معالجة الجسد‬        ‫من نسوج شموس الخيال وشرائح ثلوج الواقع‪.‬‬
     ‫من خلالها في نص الروية‪ ،‬وظل الجسد بؤرة‬         ‫وهي بهذا تؤكد حق البحث عن بدائل أخرى للحياة‬
  ‫سردية متفجرة متكتمة على نفسها حتى افتضتها‬            ‫والحقيقة تنبذ فيها كل الطرق التقليدية الأحادية‬
   ‫الشخصيات الروائية على أكثر من مستوى‪ ،‬وفي‬
     ‫كل الأحوال كان الجسد فضا ًء سرد ًّيا مفتو ًحا‬        ‫الراسخة وتتواشج مع نسيج وجودي يأتلف‬
                                                         ‫فيه الشيء وضده لكن دون مغالاة ولا تصنع‬
       ‫لتفجير مكبوتات الجسد وتقويض الصورة‬               ‫ولا تكلف‪ .‬ومن ثمة يتحقق نمط هوية العابر لا‬
    ‫الذكورية القامعة التي حصرت الجسد في حيز‬         ‫بوصفها محاكاة للعالم الواحد الراسخ بل بوصفها‬
  ‫الرغبة الجنسية والاشتهاء بعي ًدا عن كلية الوجود‬         ‫خل ًقا للذات واللغة والعالم من جديد‪ .‬وضعية‬
  ‫الأنثوي من جهة وكلية المفهوم الأخلاقي للجسد‪،‬‬         ‫وجودية ظلية حرة عابرة‪ ،‬تفلت من غلظة العالم‬
  ‫فقد طرحت الرواية مفهوم الجسد بوصفه قسمة‬           ‫ورسوخه الباهظ حيث تكون الذات الإنسانية مجمع‬
  ‫مشتركة بين هموم الرجل وهموم المرأة‪ ،‬فكلاهما‬         ‫ذوات‪ ،‬ويكون الوطن ملتقي أوطان‪ ،‬وتكون اللغة‬
‫فاع ًل ومفعو ًل به في آن في سياق الحفاظ على حرية‬       ‫مجمع لغات متواترة بين الثقافات والحضارات‪.‬‬
    ‫الوجود الإنساني والعبور به من أخلاق الغلظة‬       ‫ولعل مسألة هوية العابر هنا «ليست رهنًا بقضايا‬
     ‫والعنف والقيود إلى أخلاق السماحة والانفتاح‬           ‫الصراع بين الشرق والغرب والوطن والمنفي‬
    ‫والتحرر‪ .‬ولعل الفكرة الأكثر أهمية بخصوص‬         ‫والهجرة والانتماء واللاانتماء‪ ،‬وإنما هي أوسع من‬
   ‫حضور الجسد في الرواية هي ضرورة أن نفهم‬            ‫ذلك بكثير كونها تجمع بين إحساس الفرد بنفسه‬
  ‫الجسد الأنثوي بوصفه «جز ًءا من استجابة أكثر‬          ‫داخليًّا وبين موقفه منها خارجيًّا‪ .‬ومن ثم تغدو‬
   ‫عمومية للعالم الاجتماعي والثقافي الذي نظر إلى‬        ‫هويته رهينة الداخل والخارج نفسيًّا واجتماعيًّا‬
     ‫النساء وعاملهن كأشياء‪ ،‬والذي أخفي أو أنكر‬
‫إيقاع وإنتاج وحقيقة تنوع تجسيد أنثي‪ ،‬والاحتفاء‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100