Page 108 - m
P. 108

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪106‬‬

                                                            ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫وفي تنويعة من التنويعات المكانية تتجمع كل خيوط‬                 ‫مع زوج يحترم واجباته تجاه الأسرة ويشبه‬
 ‫الرواية‪ ،‬تجمع شخصياتها في محطة الباص لانتظار‬                     ‫بسام في رقته واستسلامه للحياة بنمطيتها‬
  ‫وسيلة التحرك والانتقال التي تمثل عام ًل مشتر ًكا‬
‫بين حيواتهم جمي ًعا «نسيت الحكاية‪ ،‬والآن تذكرت‬                ‫وعاديتها» ص‪ ،107‬وتقر بهذا التشابه بينها وبين‬
                                                             ‫بسام الذي طالما استنكرته منه «لكني أعود وأفكر‪:‬‬
    ‫بعض تفاصيلها‪ .‬الدكتور كمال المصري‪ .‬ربما‬
   ‫تجاوز الستين مثلي‪ .‬ربما كنا شبيهين دون أن‬                     ‫في الحالتين‪ ،‬سعيت للحفاظ على كريم وعلى‬
   ‫ندري‪ .‬غريبة تلك الأقدار التي تجمعني بكريم‬                   ‫استقرارنا الأسري تما ًما كما سعى بسام لرأب‬
 ‫زوج نورهان وكمال حبيب لينا في طابور واحد‪.‬‬                   ‫صدع زواجه التعس‪ .‬أليس قد ًرا غري ًبا ذلك الذي‬
    ‫سرب من أسراب قنديل البحر‪ ،‬جميعنا ينتظر‬                      ‫يدفعنا لتكرار حياة الآخرين‪ ،‬وكنا فيما سبق‬

      ‫أو يتحرك ببطء‪ .‬وماذا ننتظر غير الباص؟‬                              ‫نحاكمهم وندينهم بسببها؟» ص‪.92‬‬
     ‫سيستقلانه باتجاه تورونتو وسنعود نحن‪.‬‬                        ‫كان اختيار الفضاء المكاني المتحرك العابر حيث‬
  ‫باتجاه ديربورن‪ ،‬وكل منا بيت وأبناء وحكاية‬                 ‫وسائل المواصلات بأنواعها تقنية فنية موظفة توظي ًفا‬
   ‫يقصها لنفسه أو لآخرين كلما تسنى» ص‪.187‬‬                      ‫واعيًا لتجعل الحديث الداخلي الذاتي وسيلة السرد‬
   ‫على هذا النحو كان بناء الرواية بنا ًء تركيبيًّا دقي ًقا‬      ‫الأساسية في النص الروائي؛ فوسائل المواصلات‬
   ‫ومحك ًما يكشف عن وعي نقدي يقف خلف حرفية‬                    ‫هي أماكن التقاء الغرباء وإقامة الحوارات القصيرة‬
  ‫بنائه‪ ،‬والتمكن من رسم عناصره وتوظيف تقنيات‬                  ‫العابرة‪ ،‬ومن ثم تتجسد الذاكرة وما تسترجعه من‬
                                                            ‫أحداث وما تثيره من تأملات وتساؤلات ومراجعات‪،‬‬
       ‫متنوعة كالتكرار الذي أسهم في تكثيف التيمة‬              ‫شري ًكا أساسيًا في هذا النص‪ ،‬ويتخذ الزمن الداخلي‬
   ‫الحاكمة لوحدة النص‪ ،‬فض ًل عن توظيف علاقات‬                   ‫الذاتي للشخصيات مساحة أعمق وأوسع من تلك‬
    ‫التجاور والتشابه والتوازي في وصل خيوط هذا‬                  ‫التي يتخذها الزمن الخارجي للنص‪ .‬إن الذكريات‬
    ‫العالم الروائي وصنع علاقاتها وإحكام تركيبها‪،‬‬                ‫في هذا السياق تمثل انتما ًء بشكل ما وتدعم تيمة‬
 ‫هذا بالإضافة إلى ما أتاحته البنى المتجاورة المتعددة‬         ‫النص المركزية في التشبث بما تبقى من انتماء متمثل‬
    ‫من ثراء وزخم في الأفكار والقضايا التي تعددت‬                  ‫في البيت‪ /‬الأسرة «لم يكن لد َّي ما أنتمي إليه‬
  ‫في الرواية تعدد شخصياتها وبنياتها حيث القضية‬                 ‫سوى ربما أماكن بعينها في حي ساحل الثلوج‬
                                                            ‫بمونتريال وفي سبورتنج بالإسكندرية‪ ،‬ذكرياتي‬
       ‫الفلسطينية‪ ،‬وثورات الربيع العربي‪ ،‬وقضايا‬
    ‫اللاجئين والهجرة والشتات والغربة والاغتراب‪،‬‬                    ‫مع أمي‪ ،‬وارتباطي العاطفي بمن تبقى من‬
   ‫هذا فض ًل عن الأحداث الكبرى التي تعايشها هذه‬               ‫العائلتين؛ خالي من ناحية وأبي وأخي عمر من‬
  ‫الشخصيات كالانتخابات الأمريكية والوباء العالمي‬            ‫ناحية أخرى‪ .‬ثم ذكريات حبي الأول‪ ،‬وما تعلمته‬
‫وتمثل جز ًءا منها‪ ،‬لقد تمكنت الكاتبة من تضفير هذه‬               ‫عن نفسي وعن رغباتي في تلك السنة البعيدة‬
    ‫العناصر وتشكليها ‪-‬على صعوبة هذا التشكيل‪-‬‬                  ‫التي قضيتها في أحضان بسام الحايك» ص‪.107‬‬
 ‫لصنع بنية تركيبية محكمة تتجلى جماليتها من دقة‬                 ‫كما جاء عنصر المكان مو َّظ ًفا كذلك ليسمح بتلاقي‬

                 ‫وحرفية ورهافة تراكب عناصرها‬                        ‫الشخصيات ويفسح المجال أمام استدعاءات‬
                                                              ‫الذاكرة وتأملاتها ومراجعاتها‪ ،‬حيث مثلت وسائل‬
                               ‫هامش‪:‬‬                        ‫المواصلات المختلفة من قطار وطائرة وباص ومناطق‬
                                                              ‫انتظار الانتقال من محطات القطارات والأتوبيسات‬
    ‫‪ -1‬غادة كمال‪ ،‬مسرح رشاد رشدي وتلامذته‬                    ‫والمطارات‪ -‬الفضا َء المكاني لهذا النص الروائي الذي‬
‫(سمير سرحان‪ ،‬عبد العزيز حمودة‪ ،‬محمد عناني)‪،‬‬
                                                                 ‫ينطوي على دلالات التنقل والتحرك المستمرين‪،‬‬
  ‫الكتابة تجمعنا للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،2021 ،‬‬                  ‫وتجتمع فيه الشخوص على اختلافها وتشابهها‬
                                        ‫ص‪.75‬‬                     ‫«أتخيل المكان وكأنه مطار واحد‪ ،‬كوني‪ ..‬كل‬
                                                            ‫المطارات تتشابه‪ ،‬وحكايات البشر أي ًضا» ص‪،118‬‬
    ‫انظر أي ًضا‪ :‬رشاد رشدي‪ ،‬فن كتابة المسرحية‪،‬‬
     ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.1989 ،‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113