Page 111 - m
P. 111

‫‪109‬‬  ‫نون النسوة‬

   ‫الكبرى‪ ،‬ما يجعل الشخصية تعاني معاناة داخلية‬                ‫شخصية بسام الحايك الذي «ولد‬
‫عميقة‪ ،‬وتتحول الغربة من طوق نجاة ينقذ من الموت‬             ‫في حلب وهاجر إلى كندا في‬
‫إلى هوة سحيقة داخل النفس‪ ،‬تجعل الإنسان في حالة‬           ‫شبابه»(‪ )6‬يقول‪« :‬كيف لشاب‬
 ‫ثورة دائمة ومستمرة‪ ،‬يقول بسام الحايك‪« :‬يحكى‬               ‫مثلي أن يقاوم ذكرى المذابح‬
                                                           ‫والحروب الأهلية وهو الذي عبر‬
  ‫أني حاولت تغيير العالم وفشلت‪ ،‬طب ًعا فشلت‪،‬‬               ‫سنوات الشباب الأولى نش ًطا في حركات‬
    ‫كنت في العشرين أو بعدها بقليل‪ ،‬أقرأ كثي ًرا‪،‬‬
                                                                ‫اليسار السوري واللبناني حالمًا بتحقق‬
  ‫أنتظم في حضور اجتماعات التكتلات اليسارية‪،‬‬                ‫الأفكار الاشتراكية وعودة الفلسطينيين‬
‫أندرج في صفوف المدافعين عن الحق الفلسطيني‪،‬‬                  ‫إلى أراضيهم؟ ويلات العنف بالداخل لا‬
                                                         ‫قبل لنفسي بها‪ ،‬أستعين عليها بالنسيان‪،‬‬
      ‫ولكني في قرارة نفسي أرتعب من احتمالات‬                ‫بالهرب‪ ،‬يرعبني الموت بقدر ما يجتذبني‬
 ‫العنف والموت المحدق»(‪ .)10‬وهكذا تدخل الشخصية‬              ‫ويدوخني في دوامة التفاسير والتأويلات‪.‬‬

                    ‫في حالة ثورة داخلية لا نهائية‪.‬‬           ‫تبقى الذكريات حاضرة‪ ،‬من تركوني ومن‬
    ‫كما نجد أي ًضا ‪-‬أثناء الحديث عن صوت الثورة‪-‬‬               ‫تركتهم»(‪ .)7‬فقرار الهجرة هنا كان ثورة على‬
                                                          ‫أوضاع العنف الراهنة آنذاك في سوريا‪ ،‬والتي لم‬
      ‫شخصية عاليا المصرية التي «تقرر أن تصف‬             ‫يستطع بسام الحايك التعايش معها‪ ،‬فاختار الغربة‬
‫إحساسها في زمن الثورة‪ ،‬كانت في إيطاليا وخافت‬             ‫رف ًضا حين عجز عن فعل التغيير‪ ،‬ورغم طول المدة‬
                                                            ‫الزمنية التي عاشها مغتر ًبا إلا‬
  ‫أن تعود إلى مصر‪ ،‬ظلت تتابع الأخبار وتحادث‬                ‫أنه لم يستطع نسيان ما حدث‪،‬‬
      ‫أهلها يوم ًّيا‪ ،‬تقرأ الصحف وتشاهد القنوات‬            ‫فيقول‪« :‬منذ هروبي من سوريا‬
                                                             ‫في عام اثنين وثمانين‪ ،‬ظلت‬
‫العربية أو ًل بأول‪..‬كان أم ًرا عجي ًبا‪ ،‬تقول‪ ..‬تخيل‬        ‫خيالات مجزرة حماة تلاحقني‬
    ‫أن يحدث لي كل ذلك في ‪ .)11(»2011‬يبين لنا هذا‬           ‫في نومي ويقظتي‪ ،‬ما يقرب من شهر كامل‬
     ‫الاقتباس أن عاليا فضلت وبإرادتها التامة أن لا‬           ‫من القتل والتدمير والخراب‪ ،‬تركت ندو ًبا في‬
                                                        ‫الروح لا تندمل» ويكمل‪« :‬رأيت النازحين إلى حلب‬
 ‫تكون فاع ًل في الأحداث الكبيرة التي مرت بها بلدها‬      ‫وبعضهم من عائلتي وأقربائي يحكون عما حدث‬
    ‫مصر في تلك الآونة وقررت الابتعاد على محاولة‬           ‫لهم ولذويهم‪ ..‬نحن الهاربين أو الناجين‪ ،‬حتى‬
      ‫المواجهة‪ ،‬لذلك لم تمنحها الكاتبة صو ًتا سرد ًّيا‬     ‫من لم يشارك في القتل والدمار‪ ،‬نظل منكوبين‬
                                                              ‫بقتلانا وجرحانا ما دمنا أحياء»(‪ .)8‬فنتحول‬
   ‫ومساحة خاصين بها‪ ،‬بل جعلت كل أفكارها تدور‬                 ‫تدريجيًّا من قرار الغربة إلى غربة القرار وغربة‬
 ‫على ألسنة الشخصيات الأخرى‪ ،‬رغم أنها كانت أكثر‬               ‫المشاعر‪ ،‬إذ «أردت أن ألمس مواطن معينة من‬
 ‫الشخصيات ثرثرة «لكن عاليا لا تمهلها‪ ،‬تكمل بلا‬             ‫الغربة لكي تثير في الإنسان أحاسيس تجعله‬
‫إبطاء وقد ركزت عينيها في عيني صاحبتها كعادة‬              ‫ينتبه إلى إحساسه الشخصي بالغربة»(‪ )9‬ليصبح‬
                                                             ‫الإحساس بالغربة الذي يعانيه بسام هو الثورة‬
  ‫الثرثارين»(‪ .)12‬لكنها ‪-‬رغم ثرثرتها‪ -‬وتخصصها‬                 ‫الأكبر‪ ،‬وصوته السردي يحمل داخله تمزقات‬
   ‫في الإعلام «قدمت الشابة المصرية نفسها باسم‬                  ‫الشخص بين الرفض ورفض الرفض‪ ،‬رفض‬
                                                            ‫الأوضاع والثورة عليها بقرار الهجرة المؤدي إلى‬
       ‫عاليا‪ ،‬وأضافت‪ :‬معدة برامج في إم بي سي‬              ‫الغربة‪ ،‬ثم رفض الغربة رف ًضا داخليًّا غير مصرح‬
‫مصر»(‪ ،)13‬إلا أنها لم تكن مهتمة بالأوضاع السياسية‬           ‫به‪ ،‬يبدو واض ًحا وجليًّا في التصرفات والمقولات‬

   ‫المتابعة للثورات العربية‪ ،‬بل كانت ثورتها من نوع‬
    ‫آخر‪ ،‬فقد جعلت من عاطفة الحب ثورة تؤدي إلى‬
  ‫الحرية بدل الثورات السياسية التي لا تؤدي إلا إلى‬
 ‫العنف والقمع‪ ،‬تقول على لسان بسام الحايك‪« :‬كان‬
  ‫أم ًرا عجي ًبا‪ ،‬تقول‪ ،‬أن تلتقي حبيب العمر في هذا‬
 ‫التوقيت بالذات‪ ،‬وأن تعود به إلى الإسكندرية في‬
  ‫نهاية ‪ ،2011‬وأن تقدمه لأهلها على أنه خطيبها‪،‬‬
 ‫مسيحي يطلب يد فتاة مسلمة من أسرة موسرة‪،‬‬
  ‫والأسرة توافق بلا تردد شريطة أن يعلن ماتيو‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116