Page 120 - m
P. 120

‫العـدد ‪59‬‬   ‫‪118‬‬

                                                  ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫النساء تارة وبحياة أستدينها من حياة داينا تارة‬                          ‫الحميد» بأبعادها المختلفة‪:‬‬
                     ‫أخرى»‪( .‬الرواية‪ ،‬ص‪)169‬‬       ‫«تعتبر نفسها مصرية من كندا وتدافع عن حقها‬

     ‫فتتساوى‪ ،‬بذلك‪ ،‬مصائر الضحايا وتتشابه‬           ‫كمهاجرة من الجيل الثاني وكيبكية ليبرالية في‬
  ‫معاناتهم‪ ،‬فلا تقلل الكاتبة بأي حال من فظاعة‬        ‫أن تبقى على هامش الدعوات الانفصالية التي‬
                                                   ‫يطالب بها نصف سكان المقاطعة من الكيبكيين‪،‬‬
    ‫ما عانى منه يهود العراق في أحداث الفرهود‬       ‫وعلى هامش الجماعات العربية المهاجرة المنغلقة‬
   ‫عام ‪ ،1941‬مثلما تدون مأساة ضحايا مجزرة‬         ‫على هويتها الدينية والقومية‪ ،‬وعلى هامش الحياة‬
    ‫حماة في سوريا عام ‪ ،1982‬فقصة النازحين‬              ‫الثقافية التي يكثر فيها اللغط والنقاش حول‬
                                                      ‫القومية الكيبكية والهويات القاتلة»‪( .‬الرواية‪،‬‬
       ‫أو الناجين أو الهاربين من تلك المذبحة لا‬
  ‫يمكن فصلها عن حكايات غيرهم من النازحين‬                                                 ‫ص‪)58‬‬
‫والناجين والهاربين من جحيم الحروب والمذابح‬              ‫كما تؤكد في معرض سردها على حقيقة أن‬
   ‫الأخرى بأي مكان في العالم‪ .‬وهو ما تمثَّل في‬      ‫شعوب الأرض ‪-‬جميعها‪ -‬هي من تقع ضحية‬
   ‫تصريح «بسام الحايك» الذي أراد أن يتخلص‬             ‫لمشاعر الكراهية ورفض الآخر التي تغرسها‬

       ‫من آثار النكبات المتتالية بتدوين يومياته‪:‬‬          ‫الحكومات المتطرفة على اختلاف أشكالها‬
  ‫«كانت يوميات قريبة الشبه بكتاب قرأته آنذاك‬         ‫وانتماءاتها‪ ،‬وهي وحدها من يتحمل نتائج ما‬
 ‫لمؤلف عراقي يهودي شهير بمونتريال وشعرت‬              ‫تخلِّفه تلك الأنظمة من حالات العنف وفوضى‬
‫بأن تجربته تماثل تجربتي‪ .‬كتب نعيم قطان عن‬
   ‫مذابح الفرهود في بغداد في مطلع الأربعينيات‬             ‫الحروب وظروف الإفقار‪ .‬ولذلك‪ ،‬تطرح‬
                                                   ‫الرواية أمام الضمير العالمي ضحايا الاستيطان‬
     ‫رواية بعنوان «الوداع يا بابل»‪ .‬حين قرأتها‬
‫تماهيت مع شخصيته الرئيسية برغم أنه يهودي‬              ‫الصهيوني من الفلسطينيين الذين شردوا في‬
                                                       ‫بلدان الشتات‪ ،‬وغيرهم من ضحايا الصراع‬
    ‫عراقي متدين وأنا مسلم سوري علماني‪ .‬بدا‬            ‫العربي الإسرائيلي في مصر ولبنان في فترات‬
  ‫لي أننا في الظلم واحد‪ ،‬واجهنا مأساة قتل الأخ‬         ‫الحروب وبعدها‪ ،‬وضحايا الحروب الأهلية‬
  ‫لأخيه‪ ،‬وآثرنا الهرب‪ .‬خذلنا أنفسنا وخذلنا من‬         ‫في لبنان والجزائر والمذابح في سوريا واليمن‬
                                                   ‫وكوارث التطهير العرقي في أمريكا‪ ،‬وغيرها من‬
                      ‫نحب»‪( .‬الرواية‪ ،‬ص‪)168‬‬          ‫ممارسات لم تخلف سوى الدمار والخراب في‬
       ‫وفي النهاية‪ ،‬وتماشيًا مع النزعة الإيجابية‬
  ‫المسيطرة على الرواية‪ ،‬لم تكتف الكاتبة بعرض‬                                     ‫أذهان الشعوب‪:‬‬
‫مشاعر الغربة وأوجاع الفقد‪ ،‬بل جسدت انتصار‬           ‫«ثم ذكرني الحديث مع سلمى بأن الحروب في‬
    ‫المهاجرين على تلك الظروف عبر قدرتهم على‬       ‫المنطقة لم يهدأ أوارها منذ سنين بعيدة‪ .‬ما يقرب‬
 ‫تحقيق النجاح المهني والأكاديمي داخل المجتمع‬         ‫من قرن كامل‪ ،‬قد يكون نصفه الثاني لم تهدأ‬
   ‫الأوروبي الجديد‪ ،‬ومن ثم تقديم معنى جديد‬        ‫الحرب الأهلية في لبنان إلا واندلعت حرب أخرى‬
‫للاندماج قائم على المشاركة والحرية مع الحفاظ‬
    ‫على الجذور الأصلية‪ ،‬في محاولة لخلق هوية‬           ‫في الجزائر‪ .‬عشر سنوات وملايين الضحايا‪.‬‬
  ‫كونية إنسانية تتسامى على قيود اللون والنوع‬      ‫واستمرت جرائم الحرب ضد الفلسطينيين تحت‬
      ‫والدين والعرق وغيرها من أشكال التمييز‬
      ‫العنصري‪ ،‬وتتسم بتعددية ثقافية لا تحتم‬            ‫الاحتلال في غزة وخارجها‪ .‬ثم في السنوات‬
    ‫الصراع بقدر ما تفرض على الفرد الاعتراف‬         ‫العشر الأخيرة‪ ،‬حروب ممتدة من سوريا لليمن‬
 ‫بالاختلاف وقبوله بعيدًا عن أية فروق إقصائية‬        ‫وأنباء مرعبة عن قمع للمتظاهرين هنا وهناك‪،‬‬
                                                  ‫ومذابح يندى لها الجبين في قلب الأوطان العامر‪.‬‬
                                                  ‫حزن مقيم‪ ،‬أداريه بالعمل‪ ،‬وأحتمي منه بمطاردة‬
   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125