Page 130 - m
P. 130

‫وأنك تحدثني عن رجال عاشوا‬                                  ‫العـدد ‪59‬‬                           ‫‪128‬‬
‫من ‪ 1400‬سنة في صحراء قاحلة‪،‬‬
                                                                             ‫نوفمبر ‪٢٠٢3‬‬    ‫وذلك أن القول لو كان كما قال‬
  ‫لا يعرفون القراءة والكتابة‪ ،‬ولا‬                                                           ‫مجاهد من أن مثلهم في التوراة‬
     ‫يدرون من أمر أنفسهم شيئًا‬             ‫بل منها القوي والضعيف‬                             ‫والإنجيل واحد‪ ،‬لكان التنزيل‪:‬‬
      ‫سوى الخيام والإبل والماعز‬        ‫والضعيف ج ًّدا‪ ،‬وعندما نر ِّجح‬                     ‫ومثلهم في الإنجيل‪ ،‬وكزرع أخرج‬
                                     ‫إنما نرجح بناء على قواعد معينة‪،‬‬
‫والسعي وراء الماء والكلأ والسطو‬      ‫وليس ترجي ًحا بناء على العاطفة”‪.‬‬                         ‫شطأه‪ ،‬فكان تمثيلهم بالزرع‬
  ‫على القوافل التجارية وسرقتها‪.‬‬                                                            ‫ُموعُجطوو ِه ًف ِاه ْمعلِمى ْنق َأ َوثل ِرهال( ُِّسسيُج َموا ُِده)ْم ِحفتى‬
  ‫والنقطة الأهم هنا أن أمة عمرها‬             ‫والحقيقة أنه من قراءاتي‬                      ‫يكون ذلك خب ًرا عن أن ذلك َمثلهم‬
   ‫‪ 1400‬سنة لم تستطع أن تن ِّقي‬         ‫ومتابعاتي ومناقشاتي المتعددة‬                       ‫في التوراة والإنجيل‪ ،‬وفي مجيء‬
                                        ‫منذ سنوات طوال في موضوع‬                           ‫الكلام بغير واو في قوله ( َك َز ْر ٍع)‬
‫خطابها أمة لا يعتد بها ولا ُيرجى‬      ‫الخطابات الدينية –كتبتها بصيغة‬                      ‫دلي ٌل َب ِّي ٌن على صحة ما ُق ْلنا‪ ،‬وأن‬
‫منها خي ٌر‪ ،‬فليس مطلو ًبا مني –وأنا‬  ‫الجمع عام ًدا لأنه ليس ثمة خطاب‬                       ‫قولهم ( َو َم َثلُ ُه ْم ِف الإ ْن ِجي ِل) خبر‬
‫مسلم عادي يصلي ويصوم ويحج‬             ‫واحد ولا عشرة ولا مئة‪ -‬ألاحظ‬
‫إن استطاع‪ -‬أن أقرأ ملايين الكتب‬         ‫أن المحا ِور (بكسر الواو) حين‬                         ‫مبتدأ عن صفتهم التي هي في‬
                                       ‫تعجزه الحيلة يقول لك «إن هذا‬                       ‫الإنجيل دون ما في التوراة منها”‪.‬‬
    ‫التي تض ِّعف وتق ِّوي وتح ِّسن‬
‫لكي أصلي وأصوم! أو لأعرف أي‬               ‫الحديث ضعيف أو موضوع‬                               ‫أتيت بهذا المثل –ولا أتبناه كليًّا‬
‫الأحاديث صحيح وأيها مدسوس!‬               ‫أو مدسوس أو منقطع»‪ ..‬إلخ‪،‬‬                          ‫ولا أنفيه أو أتبنى غيره‪ -‬لأقول‬
                                        ‫ولا أندهش حين أجد الشخص‬
    ‫فمنهجي الذي اتخذته في هذه‬          ‫نفسه يحا َّج محاو ًرا آخر بنفس‬                        ‫إن الرأي (المُشتهر والمعروف‬
     ‫الدراسة أن الحديث الموجود‬          ‫هذا الحديث في مقام آخر‪ ،‬لأننا‬                       ‫والذي لا يحتاج إلى دليل) من‬
  ‫بالكتب هو حديث صحيح ما لم‬          ‫–ببساطة‪ -‬أمام خطاب سائل غير‬                             ‫وجهة نظز صاحبنا وشيوخه‪،‬‬
   ‫تحذفه من الكتاب باتفاق كامل‪،‬‬        ‫ممسوك وليس له أول ولا آخر‪،‬‬
  ‫وما لم تحذف الكتاب نفسه‪ ،‬أما‬            ‫ولا أندهش أكثر حين يقدس‬                            ‫ليس كذلك من داخل السردية‬
‫أن يقول قائل إن هذا كتاب مقدس‬            ‫هذا المحا ِور –بالكسر‪ -‬الكتاب‬                     ‫الإسلامية نفسها‪ ،‬وإن من يقول‬
   ‫(أصح كتاب بعد كتاب الله) ثم‬         ‫ذاته الذي يقول إن به الضعيف‬
‫يحاججني بأن الحديث الذي أنقله‬            ‫والضعيف ج ًّدا‪ ..‬إلخ‪ ،‬ولو قرأ‬                        ‫به ينتخب قو ًل من بين أقوال‬
   ‫ضعيف‪ ،‬فهذا هو الخبل بعينه!‬             ‫صاحبي مقالي السابق قراءة‬                          ‫عديدة وينزله منزلة (المُشت ِهر)‬
   ‫النقطة الثانية في كلام الزميل‬        ‫سليمة‪ ،‬ولو كلف نفسه بقراءة‬                        ‫(على كيفه‪ ،‬بجرة قلم)‪ ،‬ويريد منا‬
 ‫هي الشعار الذي يرفعه الناقلون‬          ‫سلسلة المقالات التي بدأتها من‬                      ‫أن نفعل فعله! والأهم أنه سيأتي‬
     ‫دون عقل ولا تدبر في وجوه‬            ‫عدد أبريل ‪ 2023‬في «ميريت‬                         ‫ليدحض هذا الرأي باعتباره رأيي‬
       ‫الباحثين‪ ،‬بالقول بضرورة‬       ‫الثقافية» –باعتبار أنني أحيل إليها‬                     ‫أنا‪ ،‬مع أني ذكرت المصدر الذي‬
‫“مراجعة كلام المختصين”‪ ،‬وكثير‬        ‫وأعتبرها موضو ًعا واح ًدا‪ -‬لعرف‬                        ‫أخذته منه وهو تفسير الطبري!‬
     ‫من (المتخصصين) أجهل من‬            ‫أنني أعتبر الكتاب الذي (يثبت)‬
  ‫أن ير ُّد إليهم‪ ،‬ويكفيني هنا قول‬    ‫أن به عوا ًرا في نقطة واحدة‪ ،‬غير‬                       ‫القوي والضعيف‬
  ‫أشهرهم –حتى هذه اللحظة‪ -‬إن‬            ‫موثوق به‪ ،‬لفساد المنطق الذي‬                           ‫والضعيف ج ًّدا‬
 ‫مدة الحمل أربع سنوات‪ ،‬بعد هذا‬         ‫ُبنِ َي عليه‪ ،‬وبالتالي لو قلت لي إن‬
    ‫التطور المذهل في وسائل العلم‬     ‫الحديث الفلاني بصحيح البخاري‬                                     ‫يقول صاحبي ن ًّصا‪:‬‬
‫ومراقبة مراحل تكون الجنين بدقة‬            ‫أو صحيح مسلم ضعيف أو‬                              ‫“من المفترض عند دراسة كتاب‬
 ‫متناهية! فلماذا هذا الرأي فاسد؟‬        ‫موضوع‪ ،‬سأضع علامة إكس‬                             ‫لا بد من مراجعة كلام المختصين‬
  ‫ببساطة لأن (المتخصص) (نقل)‬              ‫كبيرة على المرجعين بالكامل‪،‬‬                       ‫في علم هذا الكتاب‪ ،‬يعني نراجع‬
     ‫نقل مسطرة من كتاب قديم‪،‬‬             ‫لأنه ليس ثمة ضامن أن ما لم‬                        ‫كلام المفسرين وأصول التفسير‬
                                        ‫أكتشف عواره صحي ٌح‪ ،‬خاصة‬
                                                                                              ‫وقواعد التفسير‪ ،‬فليس معنى‬
                                                                                          ‫تعدد الأقوال الخلافية أنها سواء‪،‬‬
   125   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135